Martyrs de l'intolérance
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genres
وفي ذلك المساء طاف الدوق دي جيز في المدينة التي استولى عليها، ولم ير خادمه، فقلق خوفا أن تكون مادلين قد فرت منه، ورأى رجاله يسلبون ويفتكون ويغتصبون، وقد أسكرهم النصر فكانوا يتغنون بأنشودة مؤداها: «إن دماء البروتستانت وأعراضهم حلال للكاثوليك»، وألفاهم يحتفلون في كل مكان بذلك الظفر، إلا هو فإنه لم يحتفل، إلى أن صادف خادمه، فقال له: ماذا فعلت منذ ثلاثة أيام؟ قال: إني كنت أبحث عن مادلين. قال: ألم تجدها؟ أجاب: بلى، ولكنها كانت تهرب مني على الدوام.
قال: هل رأيتها وحدها؟ أجاب: لا، ولكن معها رجل كأنه يتبعك، ولا يترك مكانك إلا عند خروجك، ثم لا يمر إلا في الشوارع التي تمر بها.
قال: ولماذا لم تقبض عليهما؟ أجاب: أظن أن ليس الغرض قتلهما، فلو كان ذلك غرضنا لقتلناهما من عهد بعيد، ولكنك تروم القبض على الفتاة حية لا ميتة؛ ولذلك لم أتجرأ على إطلاق الرصاص على الرجل الذي معها خوفا من أن أصيبها هي.
قال الدوق وهو منزعج: تقول إنها تتبعني، فهل هي تعرف من أنا؟ سوف أتحقق الأمر.
قال: لنختبئ يا مولاي، فإنهما مقبلان.
أجاب: لا فإنني سألقاهما!
وكان بلترو ومادلين منزويين في شارع ضيق، وهما تائقان إلى الانتقام، وقد هاجهما منظر الدماء المهراقة منذ ثلاثة أيام، واتفق مرة أن الدوق كان على مرمى رصاصة منهما، فهم بلترو بقتله، لكنه أحس بارتجاف يده فخاف أن يخطئ المرمى؛ لشدة ارتجاف يديه بسبب احتدام نار بغضائه. أما في ذلك المساء فقد تماسك وتجلد وظن أن انتقامه قريب؛ لأنه لم ير مع الدوق إلا رجلا واحدا. أما الدوق فتقدم إليهما وسيفه مجرد في يده، شأن من تعود ملاقاة الأهوال والأخطار. فسدد إليه بلترو بندقيته عازما على أن يطلقها عندما يصير الدوق قريبا، وفيما هو يهم بذلك سمع صرخة وراءه، فانثنى مرتاعا ورأى مادلين يحملها الرجال، فحول الطلق إلى أولئك الرجال فقتل واحدا منهم، واختفى الباقون في زقاق مظلم ومعهم مادلين محمولة على الأيدي، فبادر إليهم، إلا أن الدوق أدركه وضربه بسيفه ضربة صرعته فارتمى على الأرض.
وبعد هنيهة كانت مادلين سجينة في بيت خال والدوق أمامها. فقال لها: أبلغ منك الجفاء هذا الحد فلم يعد الوصول إليك ممكنا إلا بعد إطلاق النار واستخدام الجنود، ولولا أن الدوق دي جيز استولى على روان لما استطعت أن أراك.
وهو قد حاول مخادعتها بزعمه أنه من ضباط الدوق دي جيز. ولم يتعشق قط امرأة تعشقه لمادلين على كثرة مفاخرته باتخاذه عشيقات في كل مدينة فرنساوية، وقد أنسته الدسائس والحروب أن والد تلك المنحوسة مات مقتولا بأمره، وكأنما نسيت مادلين ذلك أيضا؛ لأنها أصغت إلى الدوق كل الإصغاء، وكان يطارحها عبارات الهوى والوجد، وطفق يذكر لها علاقته السابقة، وكيف كان يزورها صاعدا إلى شرفة منزلها في ساحة أورليان، ومضى في كلامه إلى أن مر سكير يغني بصوت عال، فنبهها ذلك إلى ما هي فيه، فدفعت الدوق وأبعدته عنها وهددته بخنجر، فقال لها: ويك هل جننت؟
فأجابته: كلا ما جننت يا دوق، ولكنني تذكرت تلك الأقسام والقبلات الكاذبة، وكل ما فعله الضابط فرنسوا، ثم تذكرت مصرع أبي! فاصفر وجه الدوق، فقالت أيضا: ألا تدري «يا دوق فرنسوا» أن قد كان لي والد، وكان من أهل الفضل والصلاح، وأنني كنت أحبه؟
Page inconnue