Les poètes du nationalisme
شعراء الوطنية
Genres
مقدمة
رفاعة رافع الطهطاوي
عبد الله نديم
محمود سامي البارودي
إسماعيل صبري
أحمد شوقي شاعر الوطنية الأكبر
حافظ إبراهيم شاعر النيل
خليل مطران شاعر الحرية
أحمد محرم
أحمد نسيم
Page inconnue
أحمد الكاشف
محمد عبد المطلب
أحمد زكي أبو شادي
عبد الحليم المصري
عزيز فهمي شاعر الحرية والشباب
علي الغاياتي
مقدمة
رفاعة رافع الطهطاوي
عبد الله نديم
محمود سامي البارودي
Page inconnue
إسماعيل صبري
أحمد شوقي شاعر الوطنية الأكبر
حافظ إبراهيم شاعر النيل
خليل مطران شاعر الحرية
أحمد محرم
أحمد نسيم
أحمد الكاشف
محمد عبد المطلب
أحمد زكي أبو شادي
عبد الحليم المصري
Page inconnue
عزيز فهمي شاعر الحرية والشباب
علي الغاياتي
شعراء الوطنية
شعراء الوطنية
تأليف
عبد الرحمن الرافعي
مقدمة
عندما أرخت الحركة الوطنية في أدوارها المتعاقبة، تبينت مبلغرفاعة رافع الطهطاوي ما للشعر الوطني من أثر عميق في التمهيد لها وبعثها، وإذكاء الروح الوطنية في نفوس المواطنين، وتسجيل الحوادث الهامة في تاريخ مصر القومي، ومن يومئذ وأنا تواق إلى أن أخصص لشعراء الوطنية سفرا منفردا، يجمع معظم ما جادت به قرائحهم من الشعر الوطني، مع التعريف بشخصياتهم، وذكر المناسبات التي أنشئوا فيها قصائدهم الوطنية.
ولقد كنت أرجو أن أضمن ما أخرجته من سلسلة تاريخ الحركة الوطنية قصائد أولئك الشعراء، وعنيت فعلا بأن أقتبس بعضها في شتى المناسبات، ولكنني وجدت أن هذا الاقتباس لا يكفي للتنويه بفضلهم، وإبراز مبلغ مساهمتهم في غرس الشعور الوطني في نفوس الأجيال المتعاقبة، فواعدت نفسي أن أتفرغ يوما لإخراج كتاب خاص بهم وبأشعارهم الوطنية، وها أنا ذا أوفي بوعدي.
وإني لأشعر أني بإخراج هذا الكتاب، أؤدي واجبا نحو أولئك الشعراء ونحو الحركة الوطنية ذاتها؛ فالشعراء الذين استلهموا وحي الوطنية في قصائدهم، واهتزت لها مشاعرهم، واستجابوا إلى نداء الوطن في عالم الشعر والفن والخيال، وتجاوبوا مع الحركة الوطنية، وكانوا مرآة صادقة لعصرهم، ومصدر إلهام وتوجيه لمواطنيهم، وترجمانا لهم في آمالهم وآلامهم، وأحاسيسهم وأهدافهم؛ هؤلاء خليقون جميعا بتقدير الوطن وثنائه، وإن من أبسط علامات التقدير لهم أن تجمع قصائدهم في سجل واحد.
Page inconnue
على أني لا أقصد تقديرا لهم فحسب، بل أقصد إلى تغذية الروح الوطنية بمدد من شعرهم وإلهامهم، وإذا كان مما تعمد إليه الأمم أن تغذي نفوس أبنائها بالأناشيد الوطنية، فأجدر بنا أن نشيع الشعر الوطني ونجعله في متناول المواطنين جميعا، رجالا ونساء، شيبا وشبانا، فكلنا في حاجة إلى أن نستذكر تلك القصائد الغر التي تملأ النفوس وطنية وإيمانا، وتغرس فيها فضائل الصدق والإخلاص والشجاعة والتفاني في أداء الواجب الوطني، فلعلها تدفعنا إلى السير دائما إلى الأمام، غير متوانين ولا متنابذين، مستمسكين بالمثل العليا في حياتنا القومية.
إن حياة هؤلاء الشعراء وقصائدهم الوطنية - إلى جانب أنها عماد للأدب وتاريخه - هي قطعة من تاريخ الحركة الوطنية وعنصر من عناصر بعثها وتطورها، ولا غرو فالشعر فرع من دوحة الأدب، والأدب الوطني له الأثر الذي لا ينكر في تكوين المواطن الصالح، والشعر بما يطبع في نفس الشاعر من التحليق في سماء الخيال، والتطلع إلى المثل العليا، يمهد للنهضات الوطنية ويبعثها ويغذيها؛ إذ يهيب بالأمة أن تتمسك بالحرية والكرامة، ويستحثها على النفور من الذل، وإباء الضيم، ويحبب إليها الثورة على الاستعمار والاستبداد، وشعراء الوطنية في مصر لهم في هذه الناحية فضل عميم؛ فكم ناصروا الحركة الوطنية في مختلف عهودها، وغذوها بقصائدهم وروائع شعرهم، وسجلوا حوادثها الهامة، وأشادوا بمفاخر الشعب، وأهابوا به أن ينهض ويستعيد مجده القديم، وكم استصرخوا الإنسانية أن تهب لنصرته، وتنتصف له من المظالم التي حاقت به، وإن كثيرا من روائع الأدب التي جادت بها قرائح أولئك الشعراء كانت معالم للحركة الوطنية، وكان الشباب يحفظها عن ظهر قلب، فتذكي في نفوسه روح الوطنية والإخلاص والإقدام والتضحية.
وكم من قصيدة أو بيت من الشعر قد حركت المشاعر في نفوس المواطنين وستحركها على الدوام، مهما تقادمت عليها الأعوام. ألست ترى إلى نشيد المارسلييز؟ كيف أنه رغم تقادم العهد على وضعه لا يزال يلهب شعور الفرنسيين ويثير في نفوسهم روح الجهاد والفداء، ويقدرون له قدسيته الفنية والوطنية.
ولعل في جمع عيون الشعر الوطني في كتاب واحد ما يبرز لنا فضل أولئك الشعراء في إمدادهم الروح الوطنية بغذاء معنوي يتجدد على تعاقب العهود والعصور، ولعلنا بذلك نكون أكثر عرفانا لفضلهم، وتقديرا لذكرياتهم، وما أجمل وفاء الأمم للمجاهدين السابقين من بنيها، في مختلف الميادين، ولا غرو فالحركة الوطنية ليست وليدة الجيل الحاضر، ولا هي وقف عليه، بل هي ثمرة الجهود المتواصلة التي يتوارثها المواطنون جيلا بعد جيل، وما أضعف الروح الوطنية إذا حدد مولدها بجيل واحد؛ لأنها بذلك تكون رخوة البناء، مقفرة المعالم، أما الوطنية الوطيدة الأساس، العالية الذرى، فهي التي تجمع بين مجد الماضي، وجهاد الحاضر، وأمل المستقبل.
إن في قيثارة الشعر سلوى للقلب، وغذاء للروح، وإنها لتوحي إلى النفوس أسمى معاني الإنسانية، وما أجمل هذه القيثارة حينما تغرد للناس ألحان الوطنية!
هذه المعاني والخواطر هي التي ألهمتني إخراج هذا الكتاب، وكم يطيب لي أن أنشر فيه صفحات لشعراء تكاد أحداث الزمان تنسينا شعرهم، بل تنسينا أسماء بعضهم، في حين أن فضلهم لا يصح أن ينسى، وآثارهم في بعث الوطنية لا تمحى، والأدب في حاجة إلى استذكار أشعارهم؛ فإنها حقا عماد الأدب الرفيع وكيانه، وهذه الأشعار هي في ذاتها سبيل لنشر الثقافة الوطنية بين أفراد الشعب في مختلف طبقاته.
من أين نبدأ؟
لقد ساءلت نفسي قبل أن أرسم خطوط الكتاب: من أين نبدأ تاريخ الشعر الوطني؟ أنبدؤه من يوم أن قرأنا قصائد شوقي وحافظ وسمعناها ووعيناها وكان لها صداها في إحياء مشاعرنا الوطنية؟ إننا إذ نحدد هذه البداية نكون قد اجتزأنا تاريخ الشعر الوطني، وأغفلنا مرحلة سبقت شوقي وحافظ، وهذا ما لا يقره الحق والإنصاف، ولا يرضاه شوقي وحافظ، على علو كعبهما وبلوغهما الذروة بين شعراء الوطنية.
فلنبحث إذن عن بداية سابقة على شوقي وحافظ.
إنني عندما أرخت مصطفى كامل بحثت في بداية الحركة الوطنية الحديثة، وتساءلت: هل تبدأ هذه الحركة بظهور مصطفى كامل فيكون تأريخه تأريخا لها؟ أم أن لها بداية سبقت ظهوره؟ وعلى أنني تلميذ لمصطفى كامل وكان تتلمذي له هو من البواعث على إخراجي لتاريخه ، كما نوهت إلى ذلك في مقدمة كتابي عنه، فإني قد وجدت من الإنصاف أن أبحث عن الأدوار التي تقدمت عصر مصطفى كامل؛ لأقف عند حد يصح اعتباره مبدأ الحركة القومية الحديثة. وانتهى بي البحث إلى أن بدايتها - في تاريخ مصر الحديث - ترجع إلى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر، وأن أول دور من أدوارها هو عصر المقاومة الأهلية التي اعترضت الحملة الفرنسية في مصر؛ ومن ثم تطورت الفكرة عندي من تأريخ لمصطفى كامل إلى تأريخ للحركة القومية، وعلى هذا الأساس أخرجت سلسلة هذا التاريخ.
Page inconnue
وأراني في تأريخ الشعر الوطني أميل إلى سلوك هذا المنهج، فرجعت في بدايته إلى الماضي، ووجدت أن روح الوطنية - بمعناها الحديث - قد بدأت تدخل الشعر المصري، وتبعث فيه من حياتها وبهائها، وتضفي عليه من جمالها وجلالها منذ أوائل القرن التاسع عشر، وأول رائد لهذه النهضة هو رفاعة رافع الطهطاوي، فإلى هذا العهد يجب أن نرجع ظهور الشعر الوطني في مصر، وهكذا يبدو التقارب بين ظهور الحركة الوطنية وظهور الشعر الوطني في تاريخنا الحديث.
فلنبدأ إذن برفاعة رافع الطهطاوي، ولندرس تطور الشعر الوطني من بعده إلى وقتنا الحاضر.
ويطيب لي في صدد التنويه بشعراء الوطنية، أن أعتذر عما فاتني من تأريخهم، وأعوزني الحديث عنهم؛ فإني أقصد من شاعر الوطنية من تغلب عليه النزعة الوطنية في شعره، فإذا كان قد فاتني أن أتحدث عن بعض الشعراء الممتازين، فالأمر لا يعدو أن يكون رأيا تقديريا، وأن يكون شعرهم الوطني قد بدا لي مغمورا في بحر شعرهم الفياض، وهذا لا يغض بداهة من منزلتهم في عالم الشعر والأدب، وحسبي عذرا لي أن رأيي التقديري في تخير شعراء الوطنية كان نتيجة دراسات مستفيضة، عكفت عليها سنين عديدة، ولم أقتصر على ما وعته ذاكرتي من الشعر الوطني في مختلف المناسبات، ولا على دواوين الشعراء، بل ذهبت أستقصي الشعر الوطني في مجاميع الصحف والمجلات، عاما بعد عام، قرابة نصف قرن من الزمان، بحيث اكتملت لدي مجموعة من أشعار الوطنية، بعضها لم ينشر من قبل في كتاب أو ديوان، ومع ذلك فإذا نبهني القارئ الكريم إلى شاعر فاتني الحديث عنه، ضمن شعراء الوطنية، فإني على أتم الاستعداد لتدارك هذا النقص في الطبعة التالية من الكتاب؛ لأني أود حقا أن أستكمل أي نقص بدا مني في هذه الناحية، وليس أحب إلى نفسي من أن أسجل في كتابي كل قصيدة بل كل بيت من الشعر الوطني.
والله أسأل أن يكون في هذه الدراسة ما يعين على نشر الأدب الوطني وإذاعته وتعميمه بين المواطنين، والحمد لله أولا وأخيرا.
عبد الرحمن الرافعي
يونيو سنة 1954
رفاعة رافع الطهطاوي
1801-1873
مصري صميم، من أقصى الصعيد، نشأ نشأة عادية، من أبوين فقيرين، قرأ القرآن، وتلقى العلوم الدينية كما يتلقاها عامة طلبة العلم في عصره، ودخل الأزهر كما دخله غيره، وصار من علمائه كما صار الكثيرون، ولكنه بذ الأقران، وتفرد بالسبق عليهم، وتسامت شخصيته إلى عليا المراتب؛ ذلك أنه كان يحمل بين جنبيه نفسا عالية، وروحا متوثبة، وعزيمة ماضية، وذكاء حادا، وشغفا بالعلم، وإخلاصا للوطن وبنيه، تهيأت له أسباب الجد والنبوغ، فاستوفى علوم الأزهر في ذلك العصر، ثم صحب البعثة العلمية الأولى من بعثات محمد علي، وارتحل إلى معاهد العلم في باريس، واستروح نسيم الثقافة الأوروبية، فزادت معارفه، واتسعت مداركه، ونفذت بصيرته، لكنه احتفظ بشخصيته، واستمسك بدينه وقوميته؛ فأخذ من المدنية الغربية أحسنها، ورجع إلى وطنه كامل الثقافة، مهذب الفؤاد، ماضي العزيمة، صحيح العقيدة، سليم الوجدان، عاد وقد اعتزم خدمة مصر من طريق العلم والتعليم؛ فبر بوعده، ووفى بعهده، واضطلع بالنهضة العلمية تأليفا وترجمة، وتعليما وتربية، فملأ البلاد بمؤلفاته ومعرباته، وتخرج على يديه جيل من خيرة علماء مصر، وحمل مصباح العلم والعرفان يضيء به أرجاء البلاد، وينير به البصائر والأذهان، وظل يحمله نيفا وأربعين سنة، وانتهت إليه الزعامة العلمية والأدبية في عصر محمد علي، وامتدت زعامته إلى عهد إسماعيل، ذلك هو رفاعة رافع الطهطاوي.
1
Page inconnue
ولد في طهطا بمديرية جرجا سنة 1801م/1216ه، وبدت عليه مخايل الذكاء والنباهة منذ صباه، ودخل الأزهر سنة 1817، ولم يمض عليه به بضع سنوات حتى صار من طبقة العلماء، وتولى التدريس فيه سنتين، وصنف وألف ودرس وهو في الحادية والعشرين من سنه، ثم عين واعظا وإماما في أحد آلايات الجيش المصري، ولما جاء عهد البعثات العلمية كان من حسن التوفيق أن اختاره محمد علي ضمن أعضاء البعثة الأولى التي سافرت إلى فرنسا سنة 1826؛ فجمع إلى ثقافته الأزهرية ثقافة أوروبا وعلومها وآدابها، فاقتبس منها الشيء الكثير، وازدهرت روحه الأدبية على ضوء الحضارة الغربية. ولما عاد إلى مصر سنة 1831 تولى عدة مناصب في التعليم، وأنشأ مدرسة الألسن سنة 1836، وكانت أشبه ما تكون بكلية الآداب والحقوق في مصر، وكان رفاعة يتولى نظارتها ويلقي فيها دروسه على الطلبة؛ فكانت أكبر معهد لنشر الثقافة في مصر، وتنقل في المناصب العلمية، وكان لا يفتأ يؤلف ويخرج من حين لآخر مصنفاته ومعرباته في العلوم والآداب إلى أن أدركته الوفاة سنة 1873.
2
وهو أول رائد لنهضة العلم والأدب في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان شاعرا رقيقا بالقياس إلى عصره، أشربت نفسه الوطنية منذ نعومة أظفاره، تلقاها من إيمانه الصادق (وحب الوطن من الإيمان)، ومن فطرته السليمة، وخلوص نيته. وقد استثار رحيله عن مصر إلى فرنسا عاطفته الوطنية العميقة المتأصلة في نفسه الحساسة؛ فجادت قريحته وهو في باريس بقصيدة عبر فيها عن الحنين إلى الوطن وأهله، والإشادة بمفاخره، قال في مطلعها:
ناح الحمام على غصون البان
فأباح شيمة مغرم ولهان
وانتقل إلى التغني بمصر وذكر محاسنها وقال:
هذا لعمري إن فيها سادة
قد زينوا بالحسن والإحسان
يا أيها الخافي عليك فخارها
فإليك أن الشاهد الحسنان
Page inconnue
ولئن حلفت بأن مصر لجنة
وقطوفها للفائزين دوان
والنيل كوثرها الشهي شرابه
لأبر كل البر في أيماني
وله قصائد ومنظومات وطنية قالها في مناسبات مختلفة.
فانظر إلى القصيدة الآتية تجدها تعبر عما يجيش في نفسه من أكرم العواطف وأنبلها، وقد قدمها هو بقوله: «وقلت أيضا وطنية.» فالروح الوطنية تتمشى حتى في تقديمه لقصائده، قال:
يا صاح حب الوطن
حلية كل فطن •••
محبة الأوطان
من شعب الإيمان
Page inconnue
في أفخر الأديان
آية كل مؤمن •••
مساقط الرءوس
تلذ للنفوس
تذهب كل بوس
عنا وكل حزن •••
ومصر أبهى مولد
لنا وأزهى محتد
ومربع ومعهد
للروح أو للبدن •••
Page inconnue
شدت بها العزائم
نيطت بها التمائم
لطبعنا تلائم
في السر أو في العلن •••
مصر لها أياد
عليا على البلاد
وفخرها ينادي
ما المجد إلا ديدني •••
الكون من مصر اقتبس
نورا وما عنه احتبس
Page inconnue
فخر قديم يؤثر
عن سادة وينشر
زهور مجد تنثر
منها العقول تجتني •••
دار نعيم زاهيه
ومعدن الرفاهيه
آمرة وناهيه
قدما لكل المدن •••
قوة مصر القاهره
على سواها ظاهره
Page inconnue
وبالعمار زاهره
خصت بذكر حسن •••
أبناؤها رجال
لم يثنهم محال
وجندهم صنديد
وقلبه حديد
وخصمه طريد
بل مدرج في كفن
وقال من قصيدة أخرى يدعو إلى افتداء الوطن بالنفس والمال:
وعزيز الموطن نخدمه
Page inconnue
برضا في النفس نحكمه
مال المصري كذا دمه
مبذول في شرف الوطن
تفديه العين بناظرها
والنفس بخير ذخائرها
تهدى في نيل نظائرها
بشرا العليا أعلى ثمن
وقال يصف الجيش المصري ويشيد بمفاخره:
ننظم جندنا نظما
عجيبا يعجز الفهما
Page inconnue
بأسد ترعب الخصما
فمن يقوى يناضلنا؟ •••
رجال ما لها عدد
كمال نظامها العدد
حلاها الدرع والزرد
سنان الرمح عاملنا •••
وهل لخيولنا شبه
كرائم ما بها شبه
إليها الكل منتبه
وهل تخفى أصائلنا؟ •••
Page inconnue
لنا في الجيش فرسان
لهم عند اللقا شان
وفي الهيجاء عنوان
تهيم به صواهلنا •••
فها الميدان و«الشقرا»
سقت أذن العدى وقرا
كأنا نرسل الصقرا
فمن يبغي يراسلنا •••
مدافعنا القضا فيها
وحكم الحتف في فيها «وأهونها وجافيها
Page inconnue
تجود به معاملنا» •••
لنا في المدن تحصين
وتنظيم وتحسين
وتأييد وتمكين
منيعات معاقلنا
وهذه الأبيات لمن خير ما قيل في وصف الجيش المصري، ولا شك أن رفاعة قد استلهم شعره من مفاخر الجيش في عهده؛ فهو يصور العصر الذي عاش فيه تصويرا صحيحا، لا مبالغة فيه ولا إغراق، وإن قصيدته لتشبه أن تكون لوحة فنية يخيل لمن ينظر إليها أنه يلمح فيها كتائب الجيش المصري تسير إلى ميادين الحرب ، تحف بها أعلام النصر والظفر، تخوض غمار القتال، بقلوب ملؤها الشجاعة والإقدام، وتجابه الأخطار قوية الإيمان، ثابتة الجنان، مجهزة بالسلاح والمدافع «تجود به معاملنا». ولو لم يشهد رفاعة مفاخر الجيش المصري في ذلك العصر، لما جادت قريحته بهذا الشعر، وهكذا يتأثر الشاعر والأديب بالعصر الذي يعيش فيه، والبيئة التي تحيط به، ويصور الحياة على عهده، فكأنما هو قطعة من عصره، أو مرآة تنطبع فيها مشاهد الحياة السياسية والاجتماعية، ومظاهر الحالة الفكرية والأخلاقية.
وإنك لتلمح أيضا عظمة الجيش المصري من قول رفاعة في قصيدة أخرى يخاطب فيها الجنود:
يا أيها الجنود
والقادة الأسود
إن أمكم حسود
Page inconnue
يعود هامي المدمع
فكم لكم حروب
بنصركم تئوب
لم تثنكم خطوب
ولا اقتحام معمع •••
وكم شهدتم من وغى
وكم هزمتم من بغى
فمن تعدى وطغى
على حماكم يصرع
وتتجلى روحه الوطنية المتطلعة إلى الحرية في تعريبه نشيد الحرية (المارسلييز)؛ فإن النفس لا تميل إلا إلى ما هو محبب إليها، فهذا النشيد قد استثار ولا شك إعجاب رفاعة رافع، حتى مالت نفسه إلى تعريبه، وإظهار ما احتواه من العواطف الوطنية الفدائية في حلة عربية قشيبة.
Page inconnue
وإذا تأملت في شعر رفاعة رافع الذي نقلنا طرفا منه وجدت فيه تقدما نسبيا إذا قارنته بأسلوب شعراء المدرسة القديمة التي سبقته، كالشبراوي والعطار والخشاب وغيرهم، ويعد شعره دور الانتقال إلى دولة الشعر الحديثة التي حمل لواءها البارودي، وإسماعيل صبري، وشوقي، وحافظ.
حقا إننا إذا وضعناه إلى جانب شعر شوقي مثلا، لجاء في المرتبة الثالثة، أو الرابعة، ولكن يجب ألا ننسى أن رفاعة رافع نشأ في عصر كانت اللغة العربية وآدابها في دور تأخرها واضمحلالها، فله على نهضة الشعر والأدب فضل لا ينكر.
عبد الله نديم
1845-1896
ظل الشعر في مصر بعد وفاة رفاعة رافع الطهطاوي خلوا من المعاني الوطنية، إلى أن تجددت في شعر عبد الله نديم.
هو خطيب الثورة العرابية، وهو أيضا شاعرها، انطبعت في خطبه وقصائده روح الوطنية المتدفقة، وروح الثورة.
ولد سنة 1845 بالإسكندرية، وبدت عليه منذ صباه مخايل الذكاء اللامع، وظهرت مواهبه في الترسل في الكتابة والشعر والزجل، والقدرة الخطابية، مع خفة في الروح، وميل إلى الفكاهة، وجرأة وإقدام، واستخفاف بأحداث الزمان.
ولما ظهرت الثورة العرابية أوائل 1881، انضم إليها بطبعه؛ إذ كانت نفسه تتأجج وطنية، وتتطلع إلى الحرية والمجد، وتجلت مواهبه الخطابية، فصار خطيب الثورة العرابية.
ومما يذكر عنه في صدد الحديث عن شعره الوطني أنه لما سافر الألاي السوداني الذي كان يقوده الأميرالاي عبد العال حلمي أحد زعماء الثورة من القاهرة إلى دمياط، في أوائل أكتوبر سنة 1881، كان سفره يوما مشهودا، فاحتشدت الجموع في محطة العاصمة لتحية الألاي حين سفره، وكان من بين المودعين عرابي والبارودي وعبد الله نديم، فوقف النديم وسط هذا الجمع الحاشد وألقى خطبة حماسية فياضة، بدأها بقوله مخاطبا رجال الجيش:
حماة البلاد وفرسانها!
Page inconnue
من قرأ التواريخ وعلم ما توالى على مصر من الحوادث والنوازل عرف مقدار ما وصلتم إليه من الشرف وما كتب لكم في صفحات التاريخ من الحسنات.
إلى أن قال: وهذا وطنكم العزيز أصبح يناديكم ويناجيكم ويقول:
إليكم يرد الأمر وهو عظيم
فإني بكم طول الزمان رحيم
إذا لم تكونوا للخطوب وللردى
فمن أين يأتي للديار نعيم؟
وإن الفتى إن لم ينازل زمانه
تأخر عنه صاحب وحميم
فردوا عنان الخيل نحو مخيم
تقلبه بين البيوت نسيم
Page inconnue
وشدوا له الأطراف من كل وجهة
فمشدود أطراف الجهات قويم
إذا لم تكن سيفا فكن أرض وطأة
فليس لمغلول اليدين حريم
وختم خطبته بقوله: وأحسن ما يؤرخ به اسم الجهادية عند النوازل أن يقال: «مات شهيد الأوطان!» فنادى الجميع: «رضينا بالموت في حفظ الأوطان!»
ولما شبت الحرب العرابية لازم النديم عرابي في كفر الدوار ثم في التل الكبير، وكانت مجلته «الطائف»، تصدر في معسكر الجيش المصري.
وبعد أن وقعت الهزيمة، ظل مخلصا للثورة في محنتها، فبرهن على وفاء نادر ووطنية أصيلة عميقة، وكان ممن أمرت الحكومة باعتقالهم، وعجزت عن التعرف إلى مقره والقبض عليه، وظل مختفيا عن عيونها وجواسيسها نحو تسعة أعوام، وأعيا الحكومة أمره ، وجعلت ألف جنيه لمن يرشد عنه، ولكنها لم تهتد إليه.
وقد وصف ما لقيه من الشدائد أثناء اختفائه في قصيدة تفيض وطنية وإيمانا وفخرا وشجاعة، وهي من غرر قصائده. قال:
أتحسبنا إذا قلنا بلينا
بلينا أو يروم القلب لينا
Page inconnue