وأما وزن أفى، وهو أيضا إلى القصر، فانه من ستة عشر رجلا، فشبهوه بطراغوذيا، وزادوه طولا — وهو نوع من الشعر تذكر فيه الأقاويل المطربة المفرحة لجودتها وغرابتها وندرتها؛ وربما استعملت المشوريات والعظات. وينبغى أن يكون الوزن بسيطا، أى من إيقاع بسيط، فان ذلك أوقع من الذى يكون من إيقاع مركب. ولتكن الأوزان البسيطة موقتة توقيتات مختلفة لكل شىء بحسبه. وأما ما سوى هذين الوزنين فيكاد بعض الناس يجوز مد الوزن فى الطوال ما تسعه مدة يوم واحد، لكن أفى مع ذلك لم يحدد قدره فى تكثيره إلى قدر لا يجاوز، ولذلك اختلف عندهم.
قال: ولكنه وإن كان قد زيد الشعر هذه الزيادة فى آخر الزمان، فقد كانت الطراغوذيات فى القديم على المثال المذكور، وكذلك القول فى أفى.
وأما أجزاء أفى وطراغوذيا فقد كان بعضها المشتركة بينها، وبعضها ما يخص الطراغوذيات. فانه ليس كل ما يصلح لطراغوذيا يصلح لأفى.
وأما السداسيات والقوموذيات فيؤخر القول فيها. فان امديح وما يحاكى به الفضائل أولى بالتقديم من الهجاء ولاستهزاء.
ولنحد الطراغوذية فنقول: ان الطراغوذية هى محاكاة فعل كامل الفضيلة على المرتبة، بقول ملائم جدا، لا يختص بفضيلة فضيلة جزئية، تؤثر فى الجزئيات لا من جهة الملكة، بل من جهة الفعل — محاكاة تنفعل لها الأنفس برحمة وتقوى. وهذا الحد قد بين فيه أمر طراغوذيا بيانا يدل على أنه يذكر فيه الفضائل الرفيعة كلها بكلام موزون لذيذ، على جهة تميل الأنفس إلى الرقة والتقية. وتكون محاكاتها للأفعال، الأن الفضائل والملكات بعيدة عن التخيل وإنما المشهور من أمرها أفعالها. فيكون طراغوذيا يقصد فيه لأجل هذه الأفعال أن يكمل أيضا بايقاع آخر والتفاق نغم ليتم به اللحن. ويجعل له من هذه الجهة إيقاع زائد على أنواع أوزانه فى نفسه. وقد يعملون عند إنشاء طراغوذيا باللحن أمورا أخرى من الاشارات والأخذ بالوجوه تتم بها المحاكاة.
Page 176