وهذه المحسوسات المشتركة لما كان إدراكها بهذه الحواس ممكنا لم يحتج إلى حاسة أخرى، بل لما كان إدراكها بلا توسط غير ممكن استحال أن يفرد لها حاسة، فالبصر يدرك العظم والشكل والعدد والوضع والحركة والسكون بتوسط اللون، ويشبه أن يكون إدراك الحركة والسكون مشوبا بقوة غير الحس، واللمس يدرك جميع هذا بتوسط صلابة أو لين فى أكثر الأمر، وقد يكون بتوسط الحر والبرد، والذوق يدرك العظم بأن يذوق طعما كثيرا منتشرا، ويدرك العدد بأن يجد طعوما كثيرة فى الأجسام، وأما الحركة والسكون والشكل فيكاد أن يدركه أيضا ولكن ضعيفا يستعين فى ذلك باللمس، وأما الشم فيكاد لا يدرك به العظم والشكل والحركة والسكون إدراكا متمثلا فى الشام بل يدرك به العدد بأن يتمثل فى الشام ولكن النفس تدرك ذلك بضرب من القياس أو الوهم بأن تعلم أن الذى انقطعت رائحته دفعة قد زال والذى تبقى رائحته هو ثابت، وأما السمع فإن العظم لا يدركه ولكن السمع قد يدل النفس عليه دلالة غير مستمرة على الدوم، وذلك من جهة أن الأصوات العظيمة قد ينسبها إلى أجسام عظيمة وكثيرا ما تكون من أشياء صغيرة وبالعكس، ولكن قد يدرك العدد ويدرك الحركة والسكون بما يعرض للصوت الممتد من ثبات أو اضمحلال يكون مصيره إلى ذلك الاختلاف فى تحدد مثل ذلك البعد، ولكن هذا الإدراك من جملة ما تدركه النفس للعادة التى عرفتها، وقد يمكن أن يسمع الصوت عن الساكن على هيئة الصوت الذى يسمع عن المتحرك وعن المتحرك على هيئة الذى يسمع عن الساكن، فلا تكون هذه الدلالة مركونا إليها ولا تجب وجوبا بل تكون فى أكثر الأمر وأما الشكل فلا يدركه السمع إلا شكل الصوت لا شكل الجسم، وأما الذى يسمع عن المجوف فيوقف على تجويفه فهو شىء يعرض للنفس وتعرفه النفس على سبيل الاستدلال، وتأمل مذهب العادة فيه ويشبه أن يكون حال البصر فى كثير مما يدركه هذه الحال أيضا إلا أن إدراك البصر لما يدركه من ذلك أظهر،
Page 161