وإذا كان هذا ما يتعلق بالنوم واليقظة فيجب أن ندل هاهنا باختصار على أمر النوم واليقظة، فنقول إن اليقظة حالة تكون النفس فيها مستعملة للحواس أو للقوى المحركة من ظاهر بالإرادة التى لا ضرورة إليها، فيكون النوم عدم هذه الحالة، فتكون النفس فيه قد أعرضت عن الجهة الخارجة إلى الجهة الداخلة، وإعراضها لا يخلوا من أحد وجوه، إما أن يكون لكلال عرض لها من هذه الجهة، وإما أن يكون لمهم عرض لها فى تلك الجهة، وإما أن يكون لعصيان الآلات إياها، والذى يكون من الكلال هو أن يكون الشىء الذى يسمى روحا - وتعرفه فى موضعه - قد تحلل وضعف فلا يقدر على الانبساط فيغور، وتتبعه القوى النفسانية، وهذا الكلال قد يعرض من الحركات البدنية، وقد يعرض من الأفكار، وقد يعرض من الخوف، فإن الخوف قد يعرض منه النوم بل الموت، وربما كانت الأفكار تنوم لا من هذه الجهة بل بأن تسخن الدماغ فتجذب الرطوبات إليه ويمتلى الدماغ فينوم بالترطيب، والذى لمهم فى الباطن هو أن يكون الغذاء والرطوبات قد اجتمعت من داخل فتحتاج إلى أن يقصدها الروح بجميع الحار الغريزى لتفى بهضمها التام فيتعطل الخارج، والذى يكون من جهة الآلات فأن تكون الأعصاب قد امتلأت وانسدت من أبخرة وأغذية تنفذ فيها إلى أن تنهضم أو الروح ثقلت عن الحركة لشدة الترطب، وتكون اليقظة لأسباب مقابلة لهذه، من ذلك أسباب تجفف مثل الحرارة واليبوسة، ومن ذلك حمام وراحة حصلت، ومن ذلك فراغ من الهضم فتعود الروح منتشرة، ومن ذلك حالة رديئة تشغل النفس عن الغؤور بل تستدعيها إلى خارج كغضب أو خوف لأمر قريب أو مقاساة لمادة مؤلمة، وهذا قد دخل فيما نحن فيه بسبيل العرض وإن كان من حق النوم واليقظة أن يتكلم فيه فى عوارض ذى الحس،
فصل 3 (فى أفعال القوة المتذكرة والوهمية وفى أن أفعال هذه القوى كلها بآلات جسمانية)
Page 182