فهذه هى الكيفيات. وأما ذوات الكيفية، فهى التى لها هذه، إما أولا، وإما ثانيا،كانت جواهر أو كانت كميات، فيشتق لها الاسم منها كما يشتق من الكمية وغيرها. أما لغة العرب والفرس فيشتق اسم المكيف فيهما دائما من اسم الكيفية؛ وإن قيلت بلا اشتقاق، فقد يقال مع ذلك باشتقاق كما يقال خلق عدل، ورجل عدل؛ أو لون أبيض، وجسم أبيض؛ فقد يقال مع ذلك عادل ومبيض. لكنه قد جرت العادة فى بعض اللغات، أو فى اليونانية وحدها، بأن لا يشتق ذلك عن بعض الكيفيات، بل يفرد للمتكيف اسم. فإنه ما كان يشتق فى اليونانية من الاسم الموضوع للفضيلة، اسم لذى الفضيلة؛ بل كان بدل الفاضل، اسم مشتق من اسم الاجتهاد. وربما كان لذى الكيفية اسم، ولا يكون للكيفية اسم موضوع أصلا. وهذا فى كثير من اللغات، فإن القوى يشبه أن لا يكون لها فى اليونانية اسم بل القوى يقال فيها ملا كزى،ولا يكون للكيفية اسم، إذ الملا كرة اسم فعل الكيفية لا للكيفية.
ولا يبعد أن يكون كذلك الحال فى لغة العرب، فإن المصحاح، فى لغة العرب، لم يشتق اسمه من الكيفية التى هى الاستعداد، بل من الكمال. فإن هذا مشتق من الصحة، ومحرف من المعتاد فى الاشتقاق، فإن الذى لا صحة فيه إذا مرض، فإنه قد يكون فى حال المرض مصحاحا، وإن لم يكن صحيحا، إذا كان سريع القبول للصحة، والهيئة المصحاحية، فإنها، لا اسم لها، بل ربما يتكلف فى لغة العرب، فيشتق لها الاسم عن اسم الشىء ذى الهيئة، على عكس القانون الطبيعى فيقال: مصحاحية. فيكون حينئذ اسم ذى القوة غير مشتق من اسم القوة، بل بالعكس. ومن لواحق الكيفية، أن الكيفية تكون فيها مضادة، وذلك ظاهر. اما فى الملكة، فمثل الجبن، فإنه ضد التهور؛ ومثل العقد الصواب، فإنه ضد العقد الخطأ. والأمر فى الحالات أيضا هو بقياس ذلك.
وأما المضادة فى القوة واللاقوة، فمثل المصحاحية للممراضية. وأما المضادة فى الكيفيات الانفعالية والانفعالات، فكالبياض للسواد، والحرارة والبرودة. وأما المتعلقات بالكمية، فالأشكال لا أضداد لها. وأما الاستقامة، والإنحناء، والتقبيب، والتقعير فستعلم فى العلوم أنها غير متضادة. وأما الزوجية، والفردية، فيظن فى ظاهر الأمر أنها متضادة، وليس كذلك، لأن الزوجية والفردية لا يتعاقبان على موضوع واحد ألبتة.
ثم ليس كل معنيين مسميين لا يجتمعان، فهما متضادان، وإن كان يجتمعان فى جنس واحد، فإن الفرس واللافرس، والبياض واللابياض، والحرارة واللاحرارة، كل ذلك من التى لا تجتمع معا. فلو أن أحدا أخذ الابيضاض مقرونا بشرط اتصاف جسم به، من شأنه أن يقبل البياض، فأثبت له اسما، وكان مثلا " ب " ، وأخذ اللامربع على ذلك الوجه، فجعل اسمه " ج " ؛ حتى كان الموضوع لا يخلو من أن يكون بياضا أو يكون " ب " أو مربعا، أو يكون " ج " ، لما كان يجب من هذا أن يكون " ب " يصير سوادا الذى هو ضد البياض، أو " ج " ضدا للمربع الذى لا ضد له. وليس ذلك لأن لا مربع واحد، أو أشياء كثيرة، تشترك فى أنها لا مربع. وأن اللابياض هو سواد، وأشياء أخرى تشترك فى أنها لا بياض. فإنه لا تقديم ولا تأخير للكثرة والقلة، فى هذا الباب، إن كان كونه ضدا، إنما هو بسبب أن له اسما محصلا، ولا يجامع آخر بإزائه.
ثم الفرد، إذا خالف الزوج، فإنما يخالفه، بأن الزوج هو العدد الذى ينقسم بمتساويين؛ وأن الفرد هو العدد الذى ليس كذلك. فنفس كونه عددا لا ينقسم بمتساويين، ليس يوجب إلا سلبا لمعنى كان فى العدد الزوج يقارن غير موضوعه، بل إنما يقارن جنس الموضوع الذى هو العدد. وقد علموا، أن هذا القدر لا يوجب الضدية، ولو قارن الموضوع المشترك، فضلا عن جنس الموضوع، وإن فهم للفردية معنى آخر أزيد من ذلك يقابل الزوجية، فذلك المعنى، أكثر أحواله، إنه معنى مباين لا مشارك فى الموضوع. ونحن إذا قلنا: ضد، لم نذهب إلى هذا، ولا هؤلاء أيضا، وإن غفلوا. فإذن الزوجية والفردية لا يتضادان، ولا الوحدة والكثرة. واستقصاء القول فى هذا فى صناعة أخرى.
Page 129