فإن رأوا أن العنصر نار مثلا كونوا عنه الأشياء بالتكاثف فقط؛ حتى أنه إذا تكثف حدا من التكاثف صار هواء. فإن تعداه إلى حد آخر صار ماء. وإن تعداه إلى آخر حدود التكاثف صار أرضا، ولا يجوزون، مع ذلك، أن تكون جوهرية النارية الذاتية تبطل؛ بل عندهم أن الأرض نار محفوظة فى جوهرها مسلوب عنها عارض التخلخل المفرط.
وإن رأوا أن العنصر أرض أقاموا التخلخل بدل التكاثف، وعملوا بالعكس. وإن رأوه شىئا آخر عملوا فىه الضدين من التكاثف و التخلخل، فجعلوه بحيث، إذا تكاثف، عنصرا أكثف منه، و إذا تخلخل صار عنصرا ألطف منه وأخف، من غير بطلان جوهريته.
وههنا أيضا قوم ينكرون وجود الكون ويثبتون الاستحالة، مع فرضهم عناصر فوق واحد. فمنهم من يفرض العنصر الأرض والنار؛ ومنهم من يفرضه الأرض والماء؛ ومنهم من يفرضه الأرض والهواء والنار، ويلغى الماء، فأن الماء عنده ليس إلا هواء قد تكاثف.
ومنهم من يقول بالأربع و مع ذلك فيقول بالاستحالة: ولا يرى العناصر تقبل كونا البتة.
لكن القائلين بهذا القول قد ينقضون قول أنفسهم؛ إذ يبدو لهم أن يجعلوا القوة المسماة عندهم محبة وألفة قوة من شأنها أن تتسلط مرة على العناصر الأربعة فتوحدها جسما متشابه الجوهر يسمونه الكرة. ثم إذا عاد سلطان القوة المضادة لها، وهى التى يسمونها تارة عداوة وتارة غلبه، وتارة بغضه، فرقها طبايع أربع، فتكون العناصر الأربعة إذا حصلت فى سلطان المحبة قد فسدت صورها التى بها هذه الأربع، وقد منع من ذلك.
Page 82