وهذا الذي ذكرناه من كونها محدثة وبدعة أمر لا يَشُكُّ فيه من له أدنى علمٍ بآثار السلف، وأيام الإسلام، وطبقات المفتِيْن، يُبَيِّنُ ذلك:
أن الكتب المصنَّفة في أحاديث رسول الله، وفتاوى الصحابة والتابعين، ليس فيها شيءٌ من ذلك، ولو أفتوا بشيءٍ من ذلك (١٥٥/ أ) لنُقِل كما نُقِل غيره، والذين صنَّفوا في الحيل من المتأخرين حَرَصوا على أثرٍ من ذلك يقتدون به، فلم يجدوا شيئًا من ذلك، ولله الحمد، إلا ما حُكي عن بعضهم من التعريض واللحن، وقولهم: "إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب" (^١). و"الكلامُ أوسع من أن يكذب ظريف" (^٢).
وليس هذا من الحِيل التي قلنا: إنها مُحْدَثة، فإن المعاريض عند الحاجة والتأويل في الكلام، والحلف من المظلوم بأن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ وهو خلاف الظاهر، كما فعل الخليلُ ﷺ (^٣)، وكما قال أبو بكر ﵁ عن النبي: إنه رجلٌ يهديني السبيل (^٤)، وكما قال النبي ﷺ للرَّجل الكافر الذي سأله: ممن أنت؟ فقال: "نحن من ماءٍ" (^٥)، إلى غير ذلك = أمرٌ جائز،