عمران حقيقتان: حقيقة الصديق؟ الإمام؟ المثل الأعلى وهو مرداس، وحقيقة المرأة الجميلة التي يزين وجودها الحياة في عينيه؛ ومرة أخرى نرى أن الكاره للموت ليس هو جمرة وإنما نفس عمران، ولكنا نعرف أن مقتل مرداس كان من أكبرالأحداث التي أثرت في نفسه، حتى ليخبرنا أنه بغضه في الحياة وحبب إليه الخروج:
لقد زاد الحياة إليّ بغضًا ... وحبًا للخروج أبو بلال
أحاذر أن أموت على فراشي ... وأرجو الموت تحت ذرى العوالي
ولو أني علمت بأن حتفي ... كحتف أبي بلال لم أبال وقد تغير كل شيء بعد ذهاب مرداس، وأصبح عمران ينكر بعده كل ما قد كان يعرفه. " ما الناس بعدك يا مرداس بالناس ".
وكان هذا الذي يتنازع عمران من التفات إلى جمرة والتفات إلى مرداس يكسب شعره أسى بالغًا، ويؤثر في نظرته إلى وجود فيمنحها عمقًا فلسفيًا لا يوجد عند غيره من شعراء الخوارج. ومن جراء هذا الصراع استطاع أن يعبر تعبيرًا عميقًا عن حب الحياة حين صور تعلق الخلق بها حتى العراة الجائعون الذين هم أحق الناس باليأس من أمرها:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراة وجوع ويقول في قصيدة أخرى:
أرانا لا نمل العيش فيها ... وأولعنا بحرص وانتظار
ولا تبقى ولا نبقى عليها ... ولا بالأمر نأخذ بالخيار
1 / 23