أما المرفع فهو موسم سكر وأكل لحم، وزواج. يعلف القروي كبشا، أو قرقورا، أو جديا، أو تيسا، يسمونه مرفعية، ويأكلونه خلال أسبوع تنتهي مدته ببدء الصوم. وإذا فضل عنهم شيء قددوه وحفظوه ليوم عيد الفصح وما بعده. إن هذه العادة قد أذنت بالزوال، وأراحت القرية من حوادثها الدامية.
أما الأعراس فتكثر في هذه الفترة، لأن الكنائس الشرقية لا ترخص بالزواج زمن الصوم.
وأخيرا، إن عادات القرية وتقاليدها وثقافتها التي تعرب عنها أمثالها وأغانيها، تضيق عنها المجلدات، وما دامت القرية الواحدة تعرف ما لا يقل عن خمسة آلاف مثل، والألوف المؤلفة من الأغاني، فكيف يمكن أن توصف في كتاب واحد؟
فسبحان من عدد مظاهر الثقافة، وشكرا له!
اللهجة العامية اللبنانية
كنت - ولا أزال، وسأظل - عدو الاثنين: الداعي إلى إحلال اللهجة العامية محل اللغة الفصحى، والقائل بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية.
كلا الأخوين أضر من أخيه، أيجهل هؤلاء الدعاة أن لكل جيل من الناس لغتين؟ لغة يجري بها القلم، وهي مادة الكتاب، والكتاب سجل المدنية الخالد، ولغة تدور على الألسنة، وبها تتفاهم الأمة المختلفة الأقاليم؟ أذكر ولا أنسى أبدا أن واحدا من بني عمي تزوج أميركية وجاء بها إلينا، فحاول أحد طلاب المدارس أن يحدثها باللسان الإنكليزي، فلم يفهم عنها ولا فهمت عنه، إلا: «يس وأوريت، وغود مورني.»
وزارني، منذ أعوام، مراكشيان فما تفاهمنا إلا بالفصحى، وأذكر مرة أخرى أن أحد المهوسين باللهجة، قرأ لي محاضرة كتبها بلهجتنا العامية، متوقعا مني ثناء طويلا عريضا، فقلت له هذه الكلمة: خطابك جميل، إلا أنه يحتاج إلى ترجمة، فاحمر وجهه.
وبعد، فقد تكون لهجة لبنان العامية أنقى اللهجات، وأقربها إلى الفصحى لانكماش اللبنانيين وتقلصهم في جبالهم الوعرة، غير المرغوب باستيطانها. هذا ما كان، أما ما سيكون فمن يدري؟ إن سهولة المواصلات، ومطامع الشركات، والمهاجرة من ... وإلى، قد تؤدي إلى إفساد لهجتنا، والله أعلم.
إذا سمعت لبنانيا يقول للخادم خذمتشي، فاحكم حالا أنه غير جبلي، فعلى ألسنة اللبنانيين تدور تعابير قرشية النسب لا تحصى، وإليك بعض ما يحضرني منها: «قطعنا له ثيابا»، «من كل فج عميق»، «أساور من ذهب» ... «لولا كلمة سبقت»، «اسم الله عليه»، «لا تقع السماء على الأرض»، «ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم»، «سبق عليه القول.»
Page inconnue