هانت بالقياس إلى حقائق أخرى. قطب مصرا على الصمت فقالت: كلما أدركت مدى ألمك حز في نفسي الألم، ولا شك أن احتمال فقد وداد احتمال أليم، ولكنه لا يقاس بالكارثة التي عصفت بعمك.
فقال بجفاء: لا أوافقك على ذلك. - يحيى، تصور الأمر بعين عادلة.
فقال متخطيا حاجز التحفظ: ليس هذا بكل شيء.
فلاحت في عينيها نظرة تساؤل فقال متراجعا: سوف تضيع العام الدراسي هدرا!
فهتفت في جزع: كان يجب أن تظل بمنأى عن همومنا. - ما كان كان.
فتنهدت وقالت: لقد سمعت كلاما، وربما سمعت أكثر، تعلم كيف لا تكترث. - كيف؟ - يحيى، تذكر ما تحوزه من فرص، إنك نجم هذا القصر، سيئول إليك كل شيء فيه، أمامك حياة طويلة عريضة ثرية، كل أولئك أشياء حقيقية، أما ما يقال فما هو إلا كلام لا يجوز أن يؤثر في الأشياء الحقيقية، وداد نفسها بنت جميلة، ولكن كم من جميلة تفوقها في الإسكندرية.
فتساءل في سخرية: والحب أليس له اعتبار عندك؟ - ما قيمته إذا ضيع فرص الحياة السعيدة؟
فرغما عنه قال: لكنه قوة، بسببها ينتحر أناس ويقتل آخرون ويغدرون.
فوجمت قليلا ثم تمتمت: العاقل لا يحرص عليه إلا إذا آمن بأنه طريقه إلى السعادة.
إنه يحوم حولها ولكنه يشفق من الانقضاض عليها. أجل إنها تستوي أمام ناظريه امرأة، ولكن وجدانه ما زال ممتلئا بها كأم. يهم بتوجيه ضربة ولكنه يتوقع أن ترتد إلى صميم قلبه. ما كان يتصور أن يصدق كلمة مما قال محروس، ولكنه تلقى كلامه في وقت تزعزع فيه كل قائم. تلقاه بعد أن شهد الابن ساعيا لقتل أبيه، والأب طاردا ابنه وملوثا حرماته، فأي شيء لا يصدق؟ وإذا بها تقول وهي تتفرس في وجهه: إنك لا تفتح قلبك لي.
Page inconnue