20
غادر شطا الحجري ووداد مسكنهما فيما يشبه الزفة. أحدق بهما الرجال، فتبعوهما حتى عبرا بوابة المتولي مخلفين وراءهما الدرب الأحمر وذكرياته الدامية.
قال شطا: لم يبق لنا إلا أن نواجه مصيرنا بشجاعة.
فتمتمت وداد: من يصدق أننا لم نلبث في الجحيم إلا خمسة أيام! - ساعة واحدة كافية إذا حم القدر.
ونفخ غاضبا ثم استدرك: ليت في الوقت متسعا للصبر حتى يزول الورم عن أنفي وشفتي لأرجع إلى الحارة على الحال التي تركتها عليها. - هيهات أن ترجع تلك الحال! - فقال متوعدا: لي رجعة إلى الدرب الأحمر! - فلنفكر فيما نحن مقبلون عليه. - لن أعرف الجبن والتردد بعد اليوم.
وقبيل مدخل الحارة بخطوات وشمس الظهيرة تصب على الميدان نارا، رأى طباع الديك يدخن نارجيلة أمام دكان النجار. انقبض صدره، وانقبض أكثر عندما نهض الرجل طارحا خرطوم النارجيلة على المقعد مقبلا نحوه في ترحاب ظاهر: أهلا، لم تخلق الغربة لنا.
صافحهما ثم وقف يردد عينيه بينهما ثم قال: قلبي معكما، إنها لمأساة حقا!
فتساءل شطا نافد الصبر: أتنوي الشماتة بنا؟
فقال مستفظعا: الشماتة! أنسيت أني أعتبر أمك أما لي؟ أنسيت تزكيتي لك عند المعلم؟ أنسيت تحذيري لك في الوقت المناسب؟ أنسيت أيضا أنني أعتبر الاعتداء على عرضك اعتداء على عرضي أنا؟!
آه، إذن وصلت الحكاية مع أشعة الشمس! وهتفت وداد محتدة: إني شريفة رغم أنف الجاحدين.
Page inconnue