فقال باسما: من حسن الحظ أن الإنسان يحظى بقلب وذاكرة ... - صدقت، ولكن كيف أسعدتني بهذه الزيارة؟ - نقلت منذ قليل مديرا لمستشفى الحميات بالعباسية، ثم علمت بمرضك أول أمس من الدكتور صبري حسونة، فجئت أزورك وأصل ما انقطع ... - أهلا ... أهلا ... لا تتصور كم أني سعيد! - وددت أن ألقاك في صحة جيدة مثلي!
فقلت ضاحكا: أدامها الله عليك، أما عني فإني في سجن كما ترى وكأنما رددت إلى الحال النباتية.
فقال جادا: قد يطول ولكنه لم يعد مؤبدا، الطب يصارعه ويصرعه.
فقلت ضاحكا: رجعت قهرا إلى عصر الثقافة. - رب ضارة نافعة.
وقالت أفكار: لتكن هدنة من إرهاق مستمر.
فقال جلال: أحيانا يمر الإنسان بتجربة مرة ولكنه يذكرها فيما بعد بالخير.
فقلت باسما: كلام جميل، ما علينا، كم أنجبت من الأبناء؟ - ثلاث بنات، كبراهن متزوجة ولم تتم تعليمها. والأخريان بكلية الطب.
وأعلنت زوجتي عن رغبتها في التعرف على أسرته فالتحما في حديث جانبي سرعان ما غاب عني في انفعال طارئ. فجأة توقف كل شيء عن الحركة فيخيل إلي أنني أسمع دبيب الزمن وهو يجد في سيره. أجل الزمن يسير وهذا صوته. بل المؤكد أنه لم يتوقف لحظة عن السير فأين كان يختبئ؟ متى وكيف بلغت الخمسين، ومتى وكيف اقتلع شعر رأس جلال؟ كنا أطفالا وغلمانا وشبانا بلا شك وهذا جلال شاهد على ذلك، يا لها من انتباهة مرهقة حقا. وإذا به يسألني وقد لاحظني فيما بدا: أين أنت؟
فقلت ضاحكا: معك! - حذار من الأفكار المثبطة. - ثق من أنني في دور النقاهة منها. - يسعدني أن أسمع ذلك.
وتبادلنا نظرة طويلة، ثم خطر لي خاطر وجدت فيه مهربا من انتباهتي المزعجة فقلت: أطباء كثيرون يرفضون الترقية من أجل العيادة.
Page inconnue