يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم .
والذين يقرءون تفصيل حروب الردة وما كان لخيار المسلمين فيها من البلاء، يملكهم الإعجاب بأولئك الأبطال الذين لم يرهبوا شيئا في سبيل نصر الدين وإعزازه، وإعادة الجزيرة العربية إلى الإسلام كما كانت قبل وفاة النبي.
وقد استشهد منهم خلق كثير ولا سيما في حرب مسيلمة، فقد ثبت بنو حنيفة للمسلمين حتى هزموا عكرمة بن أبي جهل؛ لأنه تعجل ولم ينتظر المدد، وقد عنفه أبو بكر تعنيفا شديدا، ولم يزل عكرمة عن نفسه عار هذه الهزيمة إلا حين استشهد في حرب الروم يوم اليرموك.
ووجه أبو بكر خالدا إلى مسيلمة، فثبت له بنو حنيفة حتى جال المسلمون جولة، لولا خيار أصحاب رسول الله؛ أولئك الذين أعطوا أحسن القدوة، فكانوا يوبخون الفارين، ويعيرونهم الفرار من الجنة. وكان بعضهم يقول: والله ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم . وما هي إلا أن كر المسلمون بعد جولتهم وثبتوا لبني حنيفة حتى أزالوهم عن مواقفهم وقتلوا مسيلمة، وتبعوا المنهزمين حتى فتحوا عليهم حصونهم، وأخضعوهم لسلطان الله وهم كارهون.
وكان أبو بكر خير قدوة للمسلمين؛ لما أظهر لهم من ثبات الجأش، وضبط النفس، والثقة المطلقة بالله، والوفاء العميق لرسوله.
كل ذلك في هدوء أي هدوء كأنه لم تعرض له محنة، ولم تنتقض عليه العرب، فقد أظهر أبو بكر في هذه المحنة أخص صفتين امتاز بهما، وهما: الاطمئنان إلى ما وعد الله في غير تردد أو تعرض للشك أو الوهن، والثبات في حزم وعزم لما يلم به من المكروه حتى ينفذ منه، ويمضي في أمر الله إلى أن يبلغ النصر.
6
وموقف آخر ليس من الخطورة بمكان؛ موقف أبي بكر من الردة، ولكنه كان عسيرا أشد العسر مع ذلك، ولعله آذى أبا بكر في نفسه وأمضه وأرق ليله وقتا غير قصير؛ ذلك هو موقفه من فاطمة بنت رسول الله حين طلبت إليه حقها من ميراث أبيها فلم يعطها ما طلبت، بل قال لها إنه سمع رسول الله يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة.»
وعسر هذا الموقف على أبي بكر يأتي من أنه منذ أسلم كان يؤثر رسول الله على نفسه في جميع المواطن، وكان أبر الناس به وبأهل بيته وذوي قرابته، وكان شديد الحرص على أن يحسن رضى رسول الله
Page inconnue