وأعتقد أن عليا كان أكرم على نفسه، وأشد حبا لرسول الله من أن يقول هذه المقالة أو يفكر هذا التفكير، وإن صح من هذا الحديث شيء فهو أن عليا كان يعلم أن النبي كان في شغل بمرضه، وربما كان يدبر رغم هذا المرض من أمور المسلمين، فكره أن يشق عليه من جهة، واستحيا من جهة أخرى أن يظهر أمام النبي مظهر المستغل لمكانته منه الراغب مع ذلك في السلطان.
وقد كان علي يعرف حب النبي له وبره به وإكباره لبلائه في الإسلام، ويعلم أن النبي إن كان موصيا له أو لغيره فلن يصرفه عن ذلك صارف، وإن كان غير موص فلن يحمله على ذلك حامل، والنبي إنما كان ينطق عن أمر السماء، فلو قد أراده الله على أن يوصي لأوصى دون أن يسأله سائل أو يرغب إليه راغب.
وقصة أخرى يرويها المؤرخون، وما أراها إلا متكلفة أيضا، فهم يزعمون أن أبا سفيان حين رأى أمر البيعة يستقيم لأبي بكر - وهو رجل من تيم ليس من بني عبد مناف ولا من بني قصي - أخذته العصبية الجاهلية، فجعل يبرق ويرعد، ويقول: لئن شئت لأملأن عليه الأرض خيلا، ويقول: فأين بنو عبد مناف؟ ثم حاول أن يغري عليا والعباس بمثل ثورته؛ فجعل يحرضهما ويسأل: أين الأذلان؟ ويتمثل بقول الشاعر:
ولا يقيم على ضيم يراد به
إلا الأذلان عير الحي والوتد
4
هذا على الخسف معقوص برمته
5
وذا يشج فما يرثي له أحد
ثم يعرض على علي بيعته، ولكن عليا يزجره قائلا له: طالما بغيت الإسلام شرا فلم تضره، ثم رفض ما كان يعرض عليه.
Page inconnue