صلى الله عليه وسلم
هذه المنزلة التي بلغها، والتي لم يبلغها عنده أحد من أصحابه، فكان النبي يعلن ذلك، فيجيب عمرو بن العاص حين سأله أي الرجال أحب إليه، بأنه أبو بكر.
ويقول يوما على المنبر فيما تحدث الرواة: لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن إخاء وصحبة حتى يجمعنا الله عنده.
ويختلف إلى داره بمكة مصبحا وممسيا من كل يوم، ويختصه بمصاحبته حين هاجر من مكة، ويؤثره بخاصة أمره كله.
لا جواب على هذه الأسئلة إلا ما ذكرته آنفا من أنه كان الصديق، فهو أول من أسلم من الرجال وكان إسلامه صفوا خالصا، قاومه التصديق العميق، والإيمان الخالص من كل شائبة، والاطمئنان الصادق السمح إلى كل ما يحدث به النبي
صلى الله عليه وسلم ، ثم إيثاره النبي على نفسه في كل موطن، ثم البلاء الحسن كلما جد الجد واحتاج النبي أو المسلمون إلى هذا البلاء.
والرواة يتحدثون بأن النبي حين أنبأ ذات يوم بأنه أسري به من ليلته من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ كذبته قريش، وتردد بعض المسلمين في تصديقه ولم يطمئن لنبئه هذا في غير شك ولا ارتياب ولا تردد إلا رجل واحد هو أبو بكر.
ويحدثنا الرواة كذلك أنه كان الرجل الوحيد الذي اطمأنت نفسه لصلح النبي مع قريش على الهدنة يوم الحديبية، وقد اضطرب الناس لهذا الصلح وضاقوا به أول أمرهم، وثار له عمر بن الخطاب على قربه من النبي وإيثار النبي له؛ فقال للنبي: ألسنا على الحق؟ قال النبي: بلى، قال عمر: أليسوا على الباطل؟ قال النبي: بلى، قال عمر: فلم نعطى الدنية في ديننا؟ قال النبي - وقد أخذه شيء من الغضب: «أنا عبد الله ورسوله ولن يضيعني.»
وذهب عمر بعد ذلك إلى أبي بكر فحاوره كما حاور النبي، فكان جواب أبي بكر نفس الجواب الذي أجاب به النبي، قال لعمر: إنه عبد الله ورسوله ولن يضيعه.
ولم يعرف قط أن أبا بكر قال أو صنع شيئا يؤذي النبي منذ أسلم إلى أن مات، ذلك إلى إيثاره المسلمين على نفسه، وإنفاق ماله في معونتهم.
Page inconnue