Conférences sur le Cheikh Abdelkader Al-Maghribi
محاضرات عن الشيخ عبد القادر المغربي
Genres
ومما يغفل عنه أصحاب الروايات العربية إيضاح مغزى الرواية والشأن المفيد الذي وضعت لأجله من حث على فضيلة، أو تنفير عن رذيلة بعبارات جلية وأساليب واضحة مؤثرة بحيث تسترعي أسماع النظارة، وتشعر نفوسهم مغازي الرواية، وإلا كان احتشادهم سدى وضاع وقتهم عبثا. ومن شاهد تمثيل رواية ابن الشعب علم أن مترجمها عني بكشف أسرارها وتوخى جهده لإيضاح رموزها وكشف الغاية منها، ذلك لأن المترجم متشبع من الموضوع الذي ترجم فيه مولع بإلفات الناس إليه وحثهم عليه.
أما النظارة المتفرجون فإن أكثرهم لاه عن تعرف الأسرار بهتك الحجب والأستار، مشغول عن تفهم الحكم والفضائل بما فوقه مائل وليس تحته طائل، حقا إنه يحسن بنا أن نتشبث بالحشمة والوقار، وندع الطيش وخيانة الأبصار ، ونترك كثرة اللغط والضوضاء، سيما عندما يروقنا شيء من أقوال الممثلين وأفعالهم. فإن اللغط يحرمنا فهم تتمة السياق؛ بل ربما شوش على الممثلين أنفسهم، فلا يدرون أيمضون في حديثهم أم يسكتون لبينما يفرغ القوم من جلبتهم وضوضائهم.
رأيت مما ذكرنا أننا لم نزل بعد بين قصور وتقصير عما يلزم كتبتنا وجمهورنا من ترقية شأن هذا الفن وخدمته عملا وكتابة. ولا يحسن أن نبخس الشيخ سلامة حقه، فإن من عرف سعيه المتواصل واجتهاده في إتقان الفن وتوفير شئونه واستجماع أدواته ومعداته، لم يملك نفسه عن مدحه والثناء عليه. انتقى أفراد جوقته من أجود الممثلين وأمهرهم وأقدرهم على محاكاة الطبيعة وإحكام تمثيل الأطوار والأخلاق والطباع والانفعالات، بحيث يجيء تمثيلهم للوقائع نسخة مطبقة على الأصل في اللفظ والمعنى.
كنت أشاهد التمثيل فأمسك نفسي عن التأثر وأنبهها دائما إلى أنها إنما ترى أثرا لا عينا، ومجازا لا حقيقة، ولكن مع هذا فإن مهارة الممثلين كانت تغلبني، فيخدع حسي وأذهل عن نفسي حتى تذهب وراء التأثر والانفعال كل مذهب. أذكر من ذلك ما شاهدته بالأمس في رواية هملت من تمثيل الشيخ سلامة وميليا حالة المجانين، وظهور روح والد هملت بشبح خيال نوراني تطير النفس له شعاعا ويضطرب قلب المرء من مرآه ولو كان شجاعا.
وقد أخذ الشيخ سلامة لإتقان الصناعة أمتعة وأثاثا وحليا وألبسة وأدوات وآثارا، وكل ما يحتاج إليه في تمثيل أحوال الأمم الخالية وأزيائهم وعادتهم ما يستدعي الارتياح إليه والإعجاب بصنيعه، ومن حضر تمثيل رواية عائدة ورأى تلك الآثار والملابس والحجب والستائر، التي يحاكي بها ألبسة المصريين وآثارهم عرف مبلغ عناية الرجل بإتقان هذا الفن الجميل وشدة رغبته في كسب رضاء الجمهور وارتياحهم.
ولم يأل جهدا في تنشيط الكتاب والأدباء وتحريضهم على تأليف الروايات النافعة الملائمة لروح العصر والموافقة لأذواق الناس، بحيث يكون من ورائها انطباع النفوس على حب الأعمال والأخلاق الفاضلة والنفرة من السفاسف والأفعال السافلة.
أما عنايته بحفظ الآداب في «دار تمثيله» وعدم تساهله بما يخل بالحشمة ويلوث اسم الصيانة، فقد جرى في ذلك على مبلغ طاقته، وتوسل إليه بما في وسعه. رأيته مرة يعنف البربري، ويشدد عليه النكير لكونه سمح لرجل أن يكلم زوجته (زوجة المتكلم) التي كانت في لوج من ألواج النساء. بل بلغت به مروءته إلى أكثر من ذلك. لمح مرة وهو على المرسح شابا يرمي بلفتاته المتتابعة إلى لوج حريمي في جانبه، فأرسل إليه بكلمة مزج فيها اللوم بالعتاب مزجا لطيفا، حتى كاد ذلك الشاب يذوب حياء وخجلا. وهكذا أخذ الشيخ سلامة على نفسه أن يجعل فن التمثيل فنا جميلا مفيدا مسليا مهذبا معا. فنحث الكتاب الأفاضل وجمهور الشعب أن يعضدوه، ويشدوا أزره فيما يبتغيه من ذلك والسلام.
Page inconnue