كانت الأديبة الإنجليزية جين أوستن تكتب قصصا تصور فيها حياة الناس الخاصة أيام حروب نابليون دون ذكر لهذه الحروب، وكأنها عديمة الأثر في حياة الأفراد بالرغم من اشتراك الإنجليز في معركة واترلو، وفي وقت كان الغزو يهدد إنجلترا في عام 1745 نجد روائيا مثل فيلدنج يكتب قصة وكأن البلاد في أمن وسلام.
هل نستطيع ذلك اليوم؟ هل يستطيع الكاتب في الحاضر أن يتجاهل ما يجري في كل ركن من أركان الدنيا؟
هذه هي مشكلة جراندير بطل مسرحية «الشياطين»، فهو في قبضة قوة أعظم منه وأقدر، الحياة الخاصة إذا مستحيلة برغم شغف كل منا بها.
إن جراندير راعي كنيسة القديس بطرس في لودان في صراع لا مع الدولة ولكن مع الكنيسة ذاتها، كيف يفر من أحكامها وعقائدها؟ في شخص هذا الرجل شهوة وهستريا ورغبة في الخلاص، فهل تمكن من التعبير عن نفسه؟ كلا، فقد طاردته الكنيسة حتى حكم عليه بالموت حرقا.
وبرغم التنقل السريع في المسرحية من مشهد إلى مشهد، وسرعة تغيير الأشخاص على خشبة المسرح، فإن المشاهد لا يسعه إلا أن يلحظ تقدما في الموضوع، واتصالا بين الأجزاء يكون في النهاية صورة قوية ينطبع بها الذهن ولا يمكن أن تزول.
وتكاد المسرحية أن تكون أعجوبة في تسلسل حوادثها ومشاهدها، وكأنها قطعة فنية من الموزايكو، مهندسة في تركيبها، أو كأنها صورة حية تعرض على خشبة المسرح، وتتخللها نظرات عميقة في نوازع الإنسان الخفية ونواياه.
لقد أدى ضغط المجتمع بجراندير إلى الموت، ولعل كاتب المسرحية يريد أن ينبهنا إلى شدة هذا الضغط لعلنا أن نخفف منه بعض الشيء فنحقق لأنفسنا جانبا من السعادة. •••
وظاهر من مجري حوادث المسرحية أن الكاتب يائس من خلاص الإنسان من ورطته، وليس له من سبيل إلا أن يقضي على نفسه بنفسه، ليس من سبيل إلى الخلاص غير الموت والفناء.
جراندير : ... السياسة والسلطة والحواس والثراء والفخر والنفوذ ... أسلحة ... أريد أن أصوبها إلى نفسي.
الحاكم :
Page inconnue