Shawqi : Une amitié de quarante ans
شوقي: صداقة أربعين سنة
Genres
وما قصبات السبق إلا لمعبد
ولا بد في الميادين من مجل ومصل وتال ومرتاح إلى السكيت، وإني أرى الكاظمي وصبري وناصف والمطران وسائر من ورد ذكرهم من الشعراء أشبه بالناشئ والنامي والزاهي والمعري وأمثالهم، فليست شاعرية أبي تمام والمتنبي والبحتري بنافية براعة هؤلاء بل لهؤلاء مواطن لا يلحقهم فيها أولئك.
بقي شيء استحسنته من كلام فاتح الباب، وهو أن الشهرة لا تصح أن تكون بحال من الأحوال ميزانا للفضل ولن يجري الفضل والذكر في ميدان واحد؛ لأن في الناس من يغتصب الشهرة ويلصقها بنفسه، بينما الآخر قد قنع من الأدب بلذة نفسه فلا يترنم بقصائده في النوادي، ولا يبتاع من الصحف الألقاب، ولا يستخدم الكتاب لإطرائه، ولا يتمم نقصه بالغض من مقام غيره. وهذه كلها جمل منحوتة من معدن الحقيقة وفلذات منقطعة من كبد الصواب، فإن الشهرة مزلقة ولا يصح اتخاذها معيارا، وقد يقبع في كسور الخمول من لو اطلعت على حقيقته لأجللته وأحللته أعلى مقام،
1
ولا أريد من ذلك الطعن في حب الشهرة وتضعيف هذا المشرب، وهو مبعث الهمم ومثار كوامن الفضائل ومظهر درر القرائح من أصداف الأدمغة، ولكن أريد أن تكون درجة الشهرة هي درجة الفضل فكم في الزوايا من خبايا، كذلك لم أعزز رأيي في الشعراء بالشواهد من أقوالهم، ولعلي أرجع إلى البحث وأختار من دواوينهم على مهل، فقد وجدت الشواهد التي أوردها غيري غير وافية وقد أهمل ما هو أحسن منها، وإنما استحسنت ما أطيل من شواهد شعر الكاظمي؛ لأنه كان غنى صوتا واحدا في وادي النيل فلم نتحقق فضله على طوله، فإذا به بعد هذه الأصوات كلها مغن على أصول. والله تعالى ذو الفضل العظيم
يزيد في الخلق ما يشاء .
2
قد كان كلامي هذا في شوقي منذ خمس وعشرين سنة، وفي هذه المدة كان قد انطوى البارودي فأصبح شوقي نسيج وحده لا يجد الناس عنه عوضا ولا يبتغون به بدلا، وأصبح آثر في النفوس من كل شاعر سواه، ولم ينحصر المجد في نفسه بل تناول وطنه مصر فصارت تزهو به على غيرها، ولما كان لها المكان الأول في الشرق وكان خليقا بها أن تكون ذات المركز الأول في كل فن جاء شوقي فحقق لها مكانها الأول في الشعر برغم أن كلا من الشام والعراق واليمن والسودان وتونس الخضراء والمغرب فيها الشعراء المفلقون الذين لا يشق لهم غبار، وقد صدق شيخ الأدباء في هذا العصر مصطفى صادق الرافعي في قوله: إن اسم «شوقي» «كان في الأدب كالشمس من المشرق متى طلعت في موضع فقد طلعت في كل موضع، ومتى ذكر في بلد من بلاد العالم العربي اتسع معنى اسمه فدل على مصر كلها، كأنما قيل النيل أو الهرم أو القاهرة.»
وقال الرافعي في مكان آخر: «انفلت شوقي من تاريخ الأدب لمصر وحدها كانفلات المطرة من سحابها السائر في الجو، فأصبحت مصر به سيدة العالم العربي في الشعر، وهي لم تذكر قديما في الأدب إلا بالنكتة والرقة وصناعات بديعية ملفقة، ولم يستفض لها ذكر بنابغة ولا عبقري وكانت المستجدية من تاريخ الحواضر في العالم.»
ولست متفقا كل الاتفاق في هذا القطع مع أبي السامي؛ فالبلد الذي نبغ فيه مثل ابن الفارض والبهاء زهير وظافر الحداد والأبوصيري صاحب البردة الشريفة في القديم ومحمود سامي البارودي ومحمود صفوت وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم وإسماعيل صبري وغيرهم في الحديث لا يقال إنه منقوص الحظ من الشعر، وإن كان لا ينبغ في مصر أمثال بشار وأبي العتاهية وأبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي والمعري ممن أنجبتهم الشام والعراق، على أن الرافعي مصطفى صادق، صادق في قوله: إن جميع شعراء مصر في القديم والحديث «لم يستطيعوا أن يضعوا تاج الشعر على مفرق مصر ووضعه شوقي وحده.» وما أحسن قوله كذلك: «ولم يترك شاعر في مصر قديما وحديثا ما ترك شوقي، وقد اجتمع له ما لم يجتمع لسواه، وذلك من الأدلة على أنه هو المختار لبلاده فساوى الممتازين من شعراء دهره وارتفع عليهم بأمور كثيرة هي رزق تاريخه من القوة المدبرة التي لا حيلة لأحد أن يأخذ منها ما لا تعطيه أو يزيد ما تنقص أو ينقص ما تزيد. وقد حاولوا إسقاط شوقي مرارا فأراهم غباره
Page inconnue