ثم دوى الأذان فإذا هذه الحركات؛ حركات المصلين والطائفين والداعين، تترجمها كلمات الأذان، توجزها إيجازا وتؤلف بينها تأليفا. هذه المشاهد والدعوات تترجمها كلمات قليلة انبعثت من المآذن، فسرت في الهواء قشعريرة خيل إلي أن المصابيح تخفق لها كما تخفق قلوب حاضري المسجد.
وكانت المآذن في جوانب الحرم تتداول كلمات الأذان واحدة بعد أخرى؛ فيدوي الصوت حول المسجد متتابعا كأن له حول الكعبة طوافا .
رأيت الناس والأضواء والأصوات في دوائر متصلة متلاصقة تخيلتها تعم العالم كله، وتمثلت جماعات المصلين في أرجاء الأرض كلها وراء هذه الجماعة، والصوت الجميل مستمر تدوي به المجاهر، وتدور به المآذن، حتى ارتدت كلمات الأذان مشاهد رائعة، إذ انتفضت هذه الجماعات قياما واصطفت حول الكعبة للصلاة.
إنه لمشهد يريد فكرا وقلبا وخيالا.
الثلاثاء 26 رمضان/11 يوليو
ليلة القدر
أردت أن أعتمر في رمضان، ومضت أيام الشهر سراعا فإذا الثلث الأخير، فأردت أن أعتمر ليلة الخامس والعشرين ففاتتني. وقيل: إن بعد غد ليلة القدر، والناس يحبون الاعتمار فيها ويحرصون عليها حرصا تعلمه، قلت: إني أكره الزحام وأبغض الضوضاء، ولو في المسجد الحرام وبين الصفا والمروة ليلة القدر.
سأعتمر في غير ليلة القدر وأوثر بها إخواني الحراص عليها فلا أزحمهم فيها، ولعل في هذا الإيثار ما يربو على ثواب الاعتمار، كل معتمر فيها يزحم إخوانه لنفسه، وأنا أحرم نفسي لإخواني، سأبعد بنفسي عن المزدحم فلا أزاحم أحدا ولا أوذي أحدا.
وذهبت إلى مكة فاعتمرت ليلة السادس والعشرين، قيل: فلتعد إلى مكة ليلة السابع والعشرين؛ إنها ليلة القدر ومثلك يعرف فضائلها.
قلت: إننا لا ندري متى ليلة القدر، أهي في السنة كلها أم في رمضان كله أم في ثلثه الأخير، أهي في الوتر من الثلث الأخير أم في ليلة السابع والعشرين خاصة؟ وما أحسب الرسول أراد بإخفائها إلا أن يلتمس كل إنسان ليلة قدره.
Page inconnue