فأجابت وهي تتجاهل: «وأي غيظ يا مولاي؟»
قال: «أتظنين أني نسيتك يا أجيلا؟»
فلما سمعت سالمة لفظ «أجيلا» ارتعدت فرائصها؛ لأنها لم تسمع أحدا يناديها بهذا الاسم من زمن بعيد، ولكنها تجلدت وقالت: «أظن أن مولاي مخطئ في شأني، ولعله يقصد امرأة غيري.»
قال وهو يضحك: «أظنني واهما إذا كانت عيناي واهمتين، فهل تظنين أن قلبي واهم أيضا؟ هل أنسى أجيلا وقد جرحت قلبي، وأساءت إلى سلطاني ولكنها أساءت إلى نفسها، ألم يكن من التعقل والحكمة أن تقلعي عن ذلك الجنون؟ أليس من العار عليك وأنت مسيحية مولودة في بيت من أكبر بيوت المسيحيين أن تتعاوني مع قوم غرباء لا دين لهم ولا ذمام وتساعديهم على أهل ديانتك؟»
قالت وهي لا تزال مطرقة: «لم أفهم يا مولاي مغزى كلامك كأنك تخاطب امرأة غيري، فإن الاسم الذي ناديتني به ليس هو اسمي، وإنما اسمي سالمة.»
فأغرق أود في الضحك حتى سمع قهقهته كل من في القصر ، ومد يده إلى المائدة فتناول قدحه وشربه وهو ينظر إلى سالمة وهي لا تزال مطرقة، ثم أعاد القدح فارغا ومسح فمه بيده وهو يقول: «ما لنا وللإنكار والإثبات، أخبريني يا سالمة - كما تسمين نفسك - ما الذي جئت من أجله إلى هذه المدينة، وما الذي فعلته عند أسقف بوردو؟»
فأدركت سالمة أنه مطلع على كل شيء من أمرها، فقالت: «وما الغرابة في زيارة امرأة مسيحية لأسقف كنيستها؟»
قال: «لا غرابة في الزيارة، ولكنني أسألك عما دار بينكما وعما حملك على الذهاب إليه.»
قالت: «لا يخلو أن يكون قد دار بيني وبينه حديث طويل في شئون سرية لا تهم أحدا؛ لأن جماعة الأكليروس خزانة أسرارنا.»
قال: «لا أسألك عن اعترافك إليه فيما يتعلق بشئونك، ولكنني أسألك عما دار بينك وبينه بشأن الإفرنج والعرب والحرب والسلم.»
Page inconnue