فقال الراهب: «نعم يا ابنتي هذه بواتيه، وبعد قليل نصلها وندخلها بإذن الله.»
فقالت: «من أين ندخلها؟ إني أرى سورا.»
قال: «ندخلها من بابها الجنوبي الذي ترينه وأمامه تلك الشجرة الكبيرة.»
الفصل الثاني والأربعون
خطر آخر
فانشرح صدر سالمة لوصولها ونجاتها من الخطر لاعتقادها أنها إذا دخلت مدينة بواتيه فلا خوف عليها ولكنها لم تكد تصل إلى الباب حتى رأت جماعة على خيول بملابس جنود الإفرنج قد خرجوا من الباب، وفي مقدمتهم فارس ملثم، وعلى رءوسهم الخوذ وعليهم الدروع، وقد تقلدوا السيوف المستقيمة بمناطق من جلد وتحت الدروع جبب قصيرة إلى الركب، وقد لفوا على سيوفهم لفافة من جلد وعلقوا بأكتافهم جعب النبال وتلثموا بخمر من الحلق المشتبك، ولم يظهر من وجوههم إلا العيون والأنوف والأفواه وبعض اللحى، فلما رأت سالمة ذلك الفارس الملثم عرفت أنه جاسوس الأمس فخفق قلبها لرؤيته، ثم ما لبثت أن رأته قادما نحوها والفرسان يتبعونه على عجل فازداد اضطرابها واستعاذت بالله، وأدنت فرسها من الراهب كأنها تحتمي فيه أو تنوي سؤاله عن شيء وقد امتقع لونها وتحققت من الخطر المحدق بها، وإذا بالفارس الملثم قد أومأ إلى رفاقه وأشار بإصبعه إليها كأنه يقول: «هذه هي فاقبضوا عليها.»
فأحاطوا بها وبالراهب أيضا، فسألهم الراهب عن غرضهم فقالوا: «قد أمرنا بالقبض عليكما والسير بكما إلى حضرة الدوق أود.»
فقال: «وما الذي دعا إلى ذلك، وما نحن من أهل السياسة ولا الحرب فإني راهب وهذه امرأة أظنكم مخطئين.»
قالوا: «لسنا مخطئين هيا معنا طائعين، ولا فإنكما ذاهبان كرها.»
فلما تحققت سالمة من وقوع الخطر، ورأت أن نجاتهما مستحيلة من بين يدي أولئك الفرسان تجلدت وقالت: «أظنكم تلتمسون القبض علي وليس على هذا الراهب، فأطلقوه وها أنا أسير معكم إلى حيث تشاءون، ولا حاجة إلى التهديد والوعيد.»
Page inconnue