فاعترضه بسطام قائلا: «كنت أفتديها من شاريها بالذي يرضيه.»
فتقدمت المرأة نحو عبد الرحمن بقدم ثابتة وجأش رابط، وقالت: «أظنني واقفة بين يدي عبد الرحمن الغافقي أمير هذا الجند؟»
فاستغرب عبد الرحمن حديثها بالعربية، وقال: «نعم أنا هو وكيف عرفت ذلك؟»
قالت: «عرفتك من اهتمامك بشئون جندك، وقد كنت أسمع ذلك عنك إن الأميرين يختصمان علينا، وما نحن لواحد منهما، ولكن لنا أمرا نعرضه على الأمير.»
فرآها عبد الرحمن تخاطبه بجسارة لم يعهدها في الأسرى أو السبايا فهابها، وزاده تهيبا ما آنسه من رزانتها وبساطة لباسها وسواده، ووقعت عيناه في أثناء ذلك على الفتاة فأعجبه جمالها، ومال إلى استطلاع حقيقتها، فقال للمرأة: «قولي ما بدا لك.»
قالت: «لا أقول شيئا الآن، وإنما أقص حديثي على الأمير في خلوة.»
وكان في ركاب عبد الرحمن رجلا من خاصته، فأمرهما أن يأتيا بفرسين يحملان المرأة ورفيقتها إلى فسطاطه، على أنه لم يصبر وهو ينتظر قدوم الفرسين أن يسأل المرأة: «ومن هي رفيقتك؟» فقالت: «هي ابنتي.»
وكان هانئ يقف صامتا، وقد وقع في حيرة من أمر الفتاة وأمها، وخشي أن يكون في حديث الوالدة ما يحول بينه وبين ابنتها وقد ازداد تعلقا بها بعد ما لاحظه من رغبتها فيه، وأحس أنها تحبه حبا شديدا، فاغتنم فرصة اشتغال الأمير بالحديث مع المرأة، ودنا من الفتاة وقد أراد أن يسمع حديثها ويستطلع أمرها، فقال وصوته يدل على هيامه: «ما اسمك يا فتاة؟»
فأجابته بصوت دل على لواعج الحب، وبلسان عربي فصيح: «اسمي مريم.» فأعجبته غنة صوتها وزاد افتتانه بها لثغة في لسانها تنطق بها الراء غينا، فكأنه سمعها تقول: «اسمي مغيم.» فقال: «وأنا اسمي هانئ هل حفظته كما حفظت اسمك؟»
فأدركت ما يهدف إليه، وقالت: «لقد حفظته قبل أن أعرفه، فكيف بعد أن عرفته ورأيت منه ما رأيته.» ففرح بذكائها وسرعة خاطرها واطمأن باله، ثم أجابها وهو يقلد لثغتها تحببا: «أغجو أن تكون معغفة مباغكة.»
Page inconnue