** ومنها
يغلب على ظنه لم يجب. وفي أن ذلك هل يحسن إذا لم يجب كلام. فقال بعضهم إنه يحسن لأنه بمنزلة استدعاء الغير إلى الدين ، وقال الآخرون يقبح لأنه عبث.
** ومنها
أنه يختلف بحسب اختلاف الأشخاص. فإن كان المرء بحيث لا يؤثر في حاله الشتم والضرب فإنه لا يكاد يسقط عنه ، وإن كان ممن يؤثر ذلك في حاله ويحط مرتبته فإنه لا يجب ، وفي أن ذلك هل يحسن ، ينظر ، فإن كان الرجل ممن يكون في تحمله لتلك المذلة إعزاز الدين حسن ، وإلا فلا. وعلى هذا يجمل ما كان من الحسين بن علي عليهما السلام ، لما كان في صبره على ما صبر إعزازا لدين الله عز وجل ، ولهذا نباهي به سائر الأمم ، فنقول : لم يبق من ولد الرسول صلى الله على وآله وسلم إلا سبط واحد ، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى قتل في ذلك.
** إذا تأمن ذلك بالأسهل فلا يجب تجاوزه إلى الأصعب :
واعلم أن المقصود بالأمر بالمعروف إيقاع المعروف ، وبالنهي عن المنكر زوال المنكر ، فإذا ارتفع الغرض بالأمر السهل ، لم يجز العدول عنه إلى الأمر الصعب. وهذا مما يعلم عقلا وشرعا ، أما عقلا فلأن الواحد منا إذا أمكنه تحصيل الغرض بالأمر السهل لا يجوز العدول عنه إلى الأمر الصعب ، وأما الشرع فهو قوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) [الحجرات : 9] فالله تعالى أمر بإصلاح ذات البين أولا ، ثم بعد ذلك بما يليه ، إلى أن انتهى إلى المقاتلة.
** إذا فقدت هذه الشرائط فهل يجب عليه تكليف آخر في هذا الباب :
ثم إنه رحمه الله سأل نفسه فقال : إن المكلف إذا لم يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفقد هذه الشرائط فهل يبقى عليه تكليف آخر في هذا الباب أم لا؟. وأجاب عنه : بأن ينظر في حاله ، فإن كان عفيفا مستورا بحيث لا يظن أنه راض بما يجري فلا شيء عليه ، وإن كان ممن نظن به الرضى بذلك فإنه يجب عليه إظهار الكراهة دفعا للتهمة ، ولأن فيه لطفا ومصلحة.
Page 90