* فصل والغرض به الكلام في المنزلة بين المنزلتين
والأصل في ذلك ، أن هذه العبارة إنما تستعمل في شيء بين شيئين ينجذب إلى كل واحد منهما بشبهة ، هذا في أصل اللغة.
وأما في اصطلاح المتكلمين ، فهو العلم بأن لصاحب الكبيرة اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين ، على ما يجيء من بعد.
وهذه المسألة تلقب بمسألة الأسماء والأحكام ، وقد اختلف الناس فيها.
فذهب الخوارج إلى أن صاحب الكبيرة كافر ، وذهبت المرجئة إلى أنه مؤمن ، وذهب الحسن البصري إلى أنه ليس بمؤمن ولا كافر وإنما يكون منافقا ، وإلى هذا ذهب عمرو بن عبيد ، وكان من أصحابه. وذهب واصل بن عطاء إلى أن صاحب الكبيرة لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون فاسقا ، وهذا المذهب أخذه عن أبي هاشم ، عبد الله بن محمد بن الحنفية ، وكان من أصحابه. وقد جرت بين واصل بن عطاء وبين عمرو بن عبيد مناظرة في هذا ، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهبه وترك حلقة الحسن واعتزل جانبا فسموه معتزليا وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة.
** سبب تسمية أهل العدل بالمعتزلة :
واعلم أن هذه مسألة شرعية لا مجال للعقل فيها لأنها كلام في مقادير الثواب والعقاب ، وهذا لا يعلم عقلا ، وإنما المعلوم عقلا أنه إذا كان الثواب أكثر من العقاب فإن العقاب مكفر في جنبه ، وإن كان أقل منه فإنه يكون محبطا في جنب ذلك العقاب ، وصار الحال في ذلك كالحال في الشاهد ، فإن أحدنا لو أخذ غيره من قارعة الطريق ورباه وخوله وموله ، ثم يكسر رأس قلم له ، فإن هذه الإساءة تقع مكفرة في جنب تلك النعم ، وبالعكس من هذا لو أحسن إليه بأن يعطيه دينارا واحدا ثم يقتل ولده ، فإن تلك النعمة تكون محبطة في جنب هذه الإساءة هذا هو الذي يعلم بالعقل.
فأما أن ثواب بعض الطاعات أكبر من ثواب البعض ، أو عقاب بعض المعاصي أعظم من بعض ، فإن ذلك مما لا مدخل للعقل فيه. بل لو خلينا وقضيه العقل ، لجوزنا أن يكون ثواب الإحسان إلى الغير بدرهم أعظم من ثواب الشهادتين ، وأن يكون عقاب شرب الخمر أعظم من عقاب استحلالها.
Page 86