لا يجوز أن يكون تأثيره في نفس الصفة لما قد تقدم أن هذه الصفة لا تتعلق بالفاعل ، وإن كان تأثيره فيما يؤثر فيه ، فذلك المؤثر لا يجوز أن يكون معدوما ، لأن الأعدام لا يتعلق بالفاعل ، فيجب أن يكون موجودا على ما نقوله.
وبعد ، فلو كان الجسم مجتمعا لعدم الافتراق ، ومفترقا لعدم الاجتماع ، لوجب إذا عدم المعينان على الجسم ، أن يكون مفترقا مجتمعا دفعة واحدة ، وهذا محال.
فإن قيل : نحن لا نقول بعدم المعنيين عن الجسم ، بل نقول بوجود أحدهما وعدم الآخر ، قلنا : إنك قد أقررت بإثبات الأعراض فكفينا مئونة المناظرة على أن نريك عدم المعنيين عن الجسم ، فنقول : إن زيدا لو جمع بين الجسمين فقد عدم عنه الافتراق ، وعمرا إذا فرق بينهم فقد عدم عنه الاجتماع ، ففي الحالة الثالثة يجب أن يكون الجسم مجتمعا مفترقا في دفعة واحدة لعدم المعنيين جميعا.
فإن قيل : إن الافتراق الأول يعود ، قلنا : العود على مقدورات العباد لا يصح ، فصح ما قلناه.
فإن قال : فإذا جاز في الجسم أن يكون مجتمعا لوجود الاجتماع ومفترقا لوجود الافتراق ، ولا يلزم أن يكون الجسم مجتمعا مفترقا في حالة واحدة ، فهلا جاز أن يكون مجتمعا مفترقا دفعة واحدة؟ قلنا : لأن هذين المعنيين يتضادان في الوجود ولا يتضادان في العدم ، فلا يمنع عدمهما وإن امتنع وجودهما لأجل تضادهما ، فافترقا.
فإن قال : لم لا يجوز أن يكون مجتمعا لوجود الاجتماع ، ومفترقا لعدم الاجتماع؟ قيل له : لأنه لو كان كذلك لوجب إذا وجد فيه الاجتماع من جهة زيد ، وعدم من جهة عمرو ، أن يكون مجتمعا مفترقا دفعة واحدة ، وهذا محال.
دلالة أخرى ، وقد استدل لحسن الأمر والنهي على إثبات الأعراض ، فقيل قد ثبت أنه يحسن من الواحد منا أن يأمر الغير بأن يناوله الكوز فلا يخلو أن يكون أمرا بنفس الجسم أو بأمر زائد على الجسم. لا يجوز أن يكون أمرا بنفس الجسم ، لأن الجسم موجود ، والأمر بإيجاد الموجود محال ، فلم يبق إلا أن يكون أمرا بمعنى سوى الجسم ، وهو الذي نقوله.
فإن قيل : نحن لا نقول إنه أمر بنفس الجسم ، ولا بمعنى سوى الجسم بل نقول هو أمر بتحصيل الجسم على هذه الصفة.
Page 61