ومن جملتها ، حركة المرتعش والعروق الضوارب ، فإنه يمكن الاستدلال بها على الله تعالى مع أنه لا يدخل جنسها تحت مقدورنا. ووجه الاستدلال بها ، هو أنها لا تخلو ؛ إما أن تكون من فعلنا ، أو من فعل أمثالنا لما قد ذكرنا أن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد ، ونحن لا نحس باعتماد معتمد علينا.
ومن جملتها ، الألم الزائد عند لسع الزنبور والعقرب ، ووجه الاستدلال به على الله تعالى ، هو أن مثل هذا القدر لو وجد من أقوى القادرين بالقدرة لكان لا يتولد منه مثل هذه الآلام ، فلا بد من أن تكون من فعل فاعل مخالف لنا وهو الله تعالى.
ومتى شغب مشغب فقال : لم لا يجوز أن يوجد من فعل بعض القادرين بالقدرة أكوان تتولد منها مثل هذه الآلام؟ كان الجواب عنه أن يقال : إن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد ، ونحن لا نحس باعتماد معتمد علينا.
ومن جملتها ، الكلام الموجود في الحصى والشجر ، فإن القادر بالضرورة لا يمكنه أن يفعل الكلام إلا بهذه الآلة المخصوصة أو ما يتشكل بشكلها ، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في ذلك.
** الاستدلال بالأعراض على الله
فإذ قد عرفت ذلك وأردت أن تستدل بالأعراض على الله تعالى ، فمن حقك أن تثبتها أولا ، ثم تعلم حدوثها ، ثم تعلم أنها تحتاج إلى محدث وفاعل مخالف لنا وهو الله تعالى.
والأصل فيه أن الأعراض على ضربين : مدرك ، وغير مدرك.
فالمدركات سبعة أنواع : الألوان ، والطعوم ، والروائح ، والحرارة ، والبرودة ، والآلام ، والأصوات.
** إثبات الأعراض
ومتى أردت أن تستدل بشيء منها ، فلا تحتاج إلى إثباتها على طريق الجملة فإنها مدركة ، وإنما تحتاج إلى إثباتها على طريقة التفصيل ؛ هل هي نفس المحل على ما يقوله نفاة الأعراض ، أو غيرها على ما نقوله؟ والذي يدل على أنها غير المحل هو ما قد ثبت أن الأجسام متماثلة ، ومعلوم أن الأسود يخالف الأبيض ، فلولا أن هذه المخالفة ترجع إلى معان فيه ، وإلا لم يجز ذلك هذا إذا كان مدركا.
Page 53