Sharh Usul I'tiqad Ahl al-Sunnah par Al-Lalika'i - Hasan Abu Ashbal
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي - حسن أبو الأشبال
Genres
شرح أصول اعتقاد أهل السنة - مقدمة الكتاب [١]
يعتبر كتاب الإمام اللالكائي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من أهم الكتب المصنفة في العقيدة؛ لما حوى من المسائل المهمة، وقلَّ أن تجد مصنفًا بعده لا يستفيد منه، وقد كان سبب تأليفه كما يقول مؤلفه هو طلب بعض أهل العلم له أن يؤلف كتابًا في شرح اعتقاد أهل السنة، وكذلك انصراف علماء زمانه عن مذهب أهل السنة وانشغالهم عنه بما أحدثوه من العلوم الأخرى.
1 / 1
التعريف بكتاب أصول الاعتقاد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: فمع كتاب (أصول الاعتقاد) للإمام أبي القاسم اللالكائي، وقد تناولنا في الدرس الماضي حياة الإمام من حيث اسمه ونسبه وطلبه للعلم ورحلته وثناء العلماء عليه وغير ذلك.
وسنتكلم عن الكتاب -وهو محل الدراسة- فنقول: التعريف للكتاب يشتمل على عدة موضوعات: اسم الكتاب، موضوع الكتاب، سبب التأليف، أجزاء الكتاب، تاريخ تأليفه، توثيق الكتاب، منهج المؤلف في هذا الكتاب، قيمة الكتاب العلمية، المآخذ التي أخذها أهل العلم على الكتاب.
1 / 2
اسم الكتاب
أولًا: اختلف أهل العلم في اسم الكتاب، فمنهم من قال: هو (السنة)، ومنهم من قال: هو (شرح السنة)، ومنهم من قال: (شرح اعتقاد أهل السنة)، ومنهم من قال: (أصول السنة)، ومنهم من قال: (شرح حجج أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)، ومنهم من قال: (حجج أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)، أي: بغير كلمة (شرح)، ومنهم من قال: (السنن)، ومنهم من قال: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)، وهذا هو الموجود على غلاف الكتاب الذي بين أيدينا، وهو الموجود كذلك في النسختين المخطوطتين اللتي اعتمد عليهما محقق الكتاب.
وهو الاسم الذي ترجح لنا أنه اسم الكتاب؛ لوجوده على غلاف النسختين الموجودتين: الظاهرية والهندية.
وأما بقية الأسماء الأخرى التي اختلف فيها أهل العلم فإنها تصلح أن تكون أسماء لكتب المعتقد، وهي مذكورة في الفهارس أو في كلام العلماء، وهذا الخلاف إنما نشأ لأن المؤلف صنف كتابًا في العقيدة على منهج أهل الحديث، ولم يختر لكتابه اسمًا، فاختلف أهل العلم في تسمية الكتاب على النحو الذي ذكرناه.
يقول هنا: وأما مؤلف الكتاب فلم يجعل له عنوانًا، وإنما ذكر في المقدمة موضوع الكتاب فقال: [وقد كان تكررت مسألة أهل العلم إياي عودًا وبدءًا في شرح اعتقاد مذاهب أهل الحديث].
أي: أنه يريد أن يقول: إنهم طلبوا مني أن أصنف كتابًا في العقيدة على مذهب أهل الحديث ففعلت، وهذا هو الكتاب.
أما هو فلم يضع عنوانًا بعينه لهذا الكتاب، وإنما ذكر أنه صنفه على سبيل أهل السنة والجماعة.
أي: على طريق ومنهج أهل السنة والجماعة.
1 / 3
موضوع الكتاب
أما موضوع الكتاب فهو يبحث في المسائل الاعتقادية على منهج أهل الحديث ومذهبهم، وهو ما عرف (بأهل السنة والجماعة).
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: [ولم آل جهدًا في تصنيف هذا الكتاب ونظمه على سبيل أهل السنة والجماعة]، فمرة يسميه: (سبيل أهل الحديث) ومرة يسميه: (طريق أهل السنة والجماعة) وكلاهما واحد.
وقد جعل المؤلف لكتابه مقدمة اشتملت على عدة أمور منها: أولًا: بيان ما كان عليه السلف من اتباع للأثر واجتناب للبدع والنهي عن مناظرة أهلها.
أي: أن أول مسألة تكلم فيها الإمام في مقدمة الكتاب هي: بيان ما كان عليه السلف من اتباعهم للأثر، وهذا بلا شك يختلف مع أهل البدع والضلال، فإنهم ليسوا متبعين للأثر، وإنما هم يقدمون العقل على النقل كما ذكرنا ذلك في الدرس الماضي، ولذلك تجد أن من أعظم الفروق بين أهل السنة والجماعة وبين أصحاب الاعتقاد الفاسد أو الفكر المنحرف: أن هؤلاء يقدمون العقل على النقل.
ثانيًا: التعريض بالمنهج العقلي -أي: ذمة ولو من طرف خفي- وذم رواده من المعتزلة، وذكر جهلهم بحديث النبي ﷺ؛ لأن الذي يتكلم عن فضل التمسك بالأثر واتباع منهج السلف في ذلك لابد وأنه ولو لم يتكلم عن المواقف فإنه يشتمل ذلك ضمنًا على ذم ما خالف ذلك.
أي: من خالف ذلك من المعتزلة، ومن أتى بعدهم في تقديمهم العقل على النقل.
ثالثًا: الإشارة إلى بداية ظهور البدع وموقف العلماء والحكام من المبتدعة.
رابعًا: ذكر فضل أهل الحديث ووجه تسميتهم بهذا الاسم.
خامسًا: ذكر سبب تأليفه لهذا الكتاب.
سادسًا: بيان منهجه وشرطه في تصنيف هذا الكتاب.
وهذا ما يتعلق بموضوعات المقدمة، إذ إن كل موضوع منها، وكل جزئية منها تصلح أن تكون موضوعًا طويلًا عظيمًا؛ لأنها تعد معالم في أصول أهل السنة والجماعة، وفي منهج أهل السنة والجماعة.
بل إن كل مسألة من هذه المسائل التي معنا جديرة بالدراسة والتوسع فيها، ولذلك لو لم يكن في الكتاب إلا هذه المسائل لكفى، فضلًا عن أنه جعل ذلك مقدمات لأصل الكتاب.
أما أصل وموضوعات الكتاب فقد جعلها المؤلف في مجلدين: المجلد الأول: تكلم فيه على موضوعات معينة.
الأول: ذكر أسماء علماء أهل السنة والجماعة.
أي: الذين تكلموا في مسائل الاعتقاد.
الثاني: الحث على التمسك بالسنة واجتناب البدعة؛ لأن هذا أصل من الأصول، ولذلك كرره المؤلف، فمرة يذكره في المقدمة، ومرة يذكره في آخر كتابه.
فيسوق نصوصًا في آخر الكتاب للدلالة على ذلك تختلف عن النصوص التي ساقها في مقدمة الكتاب.
الثالث: التوحيد وأسماء الله وصفاته.
الرابع: ذكر اعتقاد أهل السنة والجماعة في القرآن.
الخامس: النهي عن التفكير في ذات الله ﷿.
السادس: مبحث القدر.
السابع: البعثة النبوية والمعجزات.
الثامن: جزء من مبحث الإيمان.
وأما المجلد الثاني: فإنه يحتوي على الموضوعات الآتية: الأول: تكملة لمبحث الإيمان.
الثاني: المرجئة.
الثالث: أبواب في المعاصي والتوبة.
الرابع: القبر وما فيه.
الخامس: الأمور الواقعة يوم القيامة.
السادس: المخلوقات غير المرئية كالملائكة والجن.
السابع: علامات الساعة الكبرى والصغرى.
الثامن: الفضائل، وهو ما سماه بكتاب: (الكرامات)، وبين معتقد أهل السنة والجماعة في الكرامات.
1 / 4
سبب التأليف
أما سبب تأليفه لهذا الكتاب فيقول: ما دفعنا إلى تأليف هذا الكتاب إلا سؤال بعض أهل العلم له أن يؤلف كتابًا في: (شرح اعتقاد أهل الحديث)، وهذا هو السبب الأول.
الثاني: انصراف علماء زمانه عن مذهب أهل السنة والانشغال عنه بما أحدثوه من العلوم الأخرى مما أدى إلى ضياع الأصول القديمة التي أسست عليها الشريعة.
أي: عندما رأى أن معالم الشريعة كادت أن تطمس في زمانه، ورأى انصراف أهل السنة عن بيان ذلك والتأليف والتصنيف فيه، تصدى لذلك بناء على طلب بعض أهل العلم له أن يؤلف في هذا الموضوع.
1 / 5
أجزاء الكتاب
وأما أجزاء الكتاب فقد جعله في مقدمة وجزأين، وقد ذكرنا النقاط والموضوعات التي تكلم فيها في المقدمة وفي الجزأين.
1 / 6
تاريخ التأليف
أما تاريخ تأليف هذا الكتاب فإنه كان قبل موته ببضع سنوات.
ونحن قلنا: إن الرجل قد درس المذهب الشافعي ببغداد، وكان من أكابر الفقهاء والمحدثين، ولم يظهر ذلك إلا في آخر أيام حياته.
وقد أورد في هذا الكتاب جملة مستكثرة من الأحاديث والآثار والموقوفات والمقطوعات على التابعين وغيرهم، مما يدل على أن هذا الجهد العظيم لابد وأن يسبقه رحلة طويلة وزمن بعيد جدًا في تحصيل هذه الأقوال.
فهذه علامات وقرائن تدل على أن هذا الرجل قد صنف هذا الكتاب في آخر حياته، فضلًا أن بعض النقول تدل على ذلك، ولذلك يقول ﵀ وهو يذكر كتاب القدر الذي أمر بقراءته على المنابر: [وجرى ذلك على يدي الحاجب أبي الحسن علي بن عبد الصمد ﵀ في جمادي الآخرة سنة ٤١٣هـ]، والرجل مات سنة ٤١٨.
ثم يقول: الطريثيثي في سند رواية الكتاب: (حدثكم الشيخ أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الحافظ في ربيع الأول سنة ٤١٦) والرجل مات سنة (٤١٨)، وغيرها من النقول التي تدل على أن هذا الكتاب ألف في آخر حياة الإمام.
1 / 7
توثيق الكتاب
في الحقيقة هناك نقولات كثيرة جدًا عن الإمام الكبير ابن الجوزي -وهو تلميذ الإمام- وعبد الغني المقدسي ﵀، وعن أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بـ أبي شامة صاحب كتاب البدع، وعن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، وعن ابن أبي العز الحنفي، وعن الإمام الذهبي، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وغيرهم من أهل العلم الذين وثقوا نسبة الكتاب إلى المؤلف.
1 / 8
منهج المؤلف
ذكر المؤلف ﵀ منهجه في مقدمته، وبين الطريقة التي سيتبعها في التأليف وهي: أولًا: أنه لم يبدأ في تأليف هذا الكتاب حتى تصفح عامة كتب الأئمة الماضين، وعرف مذاهبهم ومناهجهم، ولم يأل جهدًا في تصنيفه.
لذا فمن أراد أن يصنف وأن يكتب وأن يضع السواد على البياض فينبغي إن كان سلفيًا حقًا، ومتبعًا لا مبتدعًا، ومتأنيًا لا متسرعًا، أن يعلم أن مذهب أهل العلم أنهم ما وضعوا السواد في البياض -أي: ما وضعوا قلمًا في ورقة- إلا على هذا النحو.
فهو رحمه الله تعالى لم يبدأ في تأليف هذا الكتاب حتى قرأ في هذا الباب كتب من سبقه، وعرف مذاهبهم ومناهجهم، ولم يأل جهدًا في تصنيفه.
أي: لم يتعجل في تصنيف هذا الكتاب، وإنما بذل فيه جهدًا مشكورًا، والمتصفح لهذا الكتاب يعلم ذلك جيدًا.
ثانيًا: أنه فصل المسائل الخلافية.
ومعلوم أنه تكلم في المسائل الخلافية بكلام مفصل، وبين المحدث لكل مسألة.
أي: المبتدع لكل مسألة ثلاثية.
ومعلوم أنه لا يتكلم عن الخلافيات في الفقه، وإنما يتكلم عن خلاف أهل العلم في مسائل الاعتقاد، فهو يذكر المسألة التي خالف فيها الخلف مذهب السلف، ويبين من أحدث هذه البدعة أولًا، ثم من تبعه إلى زمانه.
وكذلك تكلم عن الفترة الزمنية التي أحدثت فيها تلك البدعة.
ثالثًا: الاستدلال على صحة مذهب أهل السنة والجماعة بالقرآن الكريم.
رابعًا: فإن لم يجد فمن السنة.
خامسًا: فإن لم يجد فيهما ولا في أحدهما استشهد بقول الصحابة ﵃ أجمعين.
وهذا يدل على حجية كلام الصحابة ﵃، ولذلك يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله تعالى: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول سفيه سادسًا: فإن لم يجد عنهم فعن التابعين لهم بإحسان.
سابعًا: ثم أخبر أنه لم يسلك فيه طريق التعصب على أحد من الناس.
فهذه كلها مناهج سلفية، وكلها مذاهب لأهل السنة والجماعة، ولذلك لأهل السنة والجماعة معالم إذا توفرت في المرء عد منهم، وإذا لم يتصف بها المرء لم يكن منهم، أو كان بعيدًا منهم على قدر بعده من منهجهم ومعالمهم.
قال: [هذا هو المنهج المكتوب].
وهناك جانب آخر منه اتبعه المؤلف ولم يذكره وهو: أولًا: أن المؤلف اهتم بالجمع فقط من غير تمحيص للأحاديث والآثار التي أوردها، وإن كان قد أوردها بأسانيدها فإنه لابد من ذكر درجتها من الصحة أو الضعف، وخاصة وهو محدث حافظ؛ لأنها تمس أهم جوانب الدين، وهو جانب الاعتقاد.
وكان هذا مأخذًا أخذه المحقق على المؤلف، وهو في الحقيقة عند عرض هذا الكلام على أصول أهل السنة لا يكون انتقاصًا، فهو يريد أن يقول: إن المؤلف هنا اهتم بقاعدة التقميش التي يقول بها المحدثون، وقاعدة التقميش إذا كنت في موطن أو في محل الكتابة فينبغي أن تأخذ عن كل أحد، وأن تكتب عن كل من هب ودب، وأما إذا كنت في موطن التصنيف، وفي موطن التعليم لغيرك فإنه ينبغي أن تفتش في هذه المجموعات، ولا تحدث إلا بأحسنها وأفضلها.
والمؤلف رحمه الله تعالى كتب في كتابه كل ما وقع إليه في الباب أو في المسألة، سواء كان صحيحًا أو ضعيفًا.
وفي الحقيقة هذا لا يعد كبير عيب؛ لأن قاعدة أهل الحديث أن من أسند نصًا فقد برئ من عهدته، فهو يروي هذه النصوص مسندة، وإذا كان هذا الصنيع في هذا الكتاب فما الحرج عليه بعد ذلك؟ وكأنه أحالك إلى البحث في أحوال الرواة الذين رووا مثل هذا الحديث أو هذا الأثر، وهذا صنيع كثير من الأئمة قبل هذا الإمام وبعده، ولم يعب عليهم ذلك أحد.
ثانيًا: أن المؤلف يعرض الاعتقاد ثم يذكر أدلته سردًا من غير تعليق أو شرح.
أي: أنه يتكلم في أصل المسألة التي يريد أن يتكلم فيها، ثم يتكلم بعد ذلك في الأدلة، فيسرد أدلة هذه المسألة، مثل الإمام الطبري في تفسيره، حيث يأتي على الآية ويقول: هذه الآية اختلف في تأويلها على نحو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أقوال.
ثم يقول: والقول الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، وأدلة القول الأول كذا وكذا، وهكذا ويذكر بعد ذلك أقوال الصحابة والتابعين وأتباع التابعين مسندة إلى زمانه، منها الضعيف ومنها الصحيح، بل ومنها الموضوع، ولا يعد هذا عيبًا في الكتاب، ولعل المؤلف ﵀ معذور في ذلك لكثرة النصوص الواردة، إذ لو اتبع هذا المنهج لتضخم الكتاب جدًا.
وعلى أي حال لا يعد هذا عذرًا للمؤلف إذا ألزمناه بالشرح والبيان، فكم من كتاب ضخم لم يمل منه أهل العلم.
ثالثًا: أن المؤلف لم يذكر المذاهب المخالفة في المسألة التي يوردها إلا في أماكن قليلة جدًا كما في مسألة: (الاسم والمسمى).
أي: الاسم والمسمى لله ﷿، هل هو واحد أو أن الاسم هو المسمى؟ ستأتي هذه المسألة بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
والمؤلف رحمه الله تعالى إذا أراد أن يتكلم في المسألة لا يذكر المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وهذا أيضًا لا يلزمه، وقد تكلم أهل العلم في حديث افتراق الأمة: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافت
1 / 9
قيمة الكتاب العلمية
يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في العقيدة عند أهل السنة والجماعة، وخاصة في مذهب أهل الحديث أو أهل السنة والجماعة، وقل أن نجد مصنفًا بعده لا يستفيد منه أو يشير إليه، كما رأينا ذلك من قبل في توثيق الكتاب ونسبته إلى مؤلفه.
ومن المميزات التي اشتمل عليها المجلد الأول من هذا الكتاب: أولًا: أنه أورد وسرد كثيرًا من الآثار على ما يقارب (١٣٠٠) نص ما بين حديث وأثر كلها تتحدث عن مسائل اعتقادية.
ثانيًا: أن هذا المجلد يعد موسوعة لأسماء علماء أهل السنة، حيث يشتمل على ما يقارب (٦٠٠) من أسماء علماء أهل السنة والجماعة، وهذا يؤكد لنا إجماع الأمة على عقيدة أهل السنة قبل وبعد ظهور الانحرافات في الاعتقاد.
ثالثًا: أن هذا المجلد حفظ لنا عقيدة أحد عشر إمامًا من علماء أهل السنة ذكر في أكثرها مواقفهم من المسائل العقدية التي اختلف فيها أهل العلم.
رابعًا: يعتبر الكتاب من المستخرجات، حيث أن المؤلف ﵀ سلك في إيراده للآثار مسلك المحدثين، إذ يورد الحديث أو الأثر بسنده إلى قائله، أي: أنه يريد أن يقول: إن هذا الكتاب فيه فائدة حديثية عظيمة جدًا، وهو أنه سلك في إيراده للآثار طريقة المحدثين، وهو ما يسمى في مصطلح الحديث بـ (المستخرج)، والمستخرج هو: أن يعمد المستخرج -بكسر الراء- إلى نص بعينه، كأن يكون في سنن أبي داود، فيورد هذا النص بسنده هو من غير طريق أبي داود.
وهذا بخلاف المستدرك، فإنه بعكس ذلك، ولذلك معظم المستخرجات فيها زيادات، وهذه الزيادات تأتي في الغالب بزيادة المعنى، فإذا أورد النص الموجود عند أبي داود من غير طريق أبي داود فلا يخلو هذا من فائدة في مزيد الأسانيد أو في مزيد النصوص.
قال: فإذا كان الحديث مخرجًا في أحد الكتب الستة فإنه لا يورده من طريقه، بل من طريق آخر، ولا يكاد يوجد ضمن هذا الكتاب ما يخالف هذه القاعدة.
أي: كأن هذا الكتاب في باب العقيدة مستخرج على كل النصوص الموجودة في كتب السنة.
قال: ولا شك أن وروده من تلك الطريق سيؤدي إلى زيادة أو موافقة لها فائدتها الحديثية.
هذه هي بعض المميزات التي يتميز بها هذا الكتاب عن ما سبقه من مؤلفات أهل السنة في العقيدة إلى جانب مميزات أخرى لم تذكر.
1 / 10
المآخذ على الكتاب
لا يخلو كتاب من الكتب البشرية من صفات النقص والخطأ إذ العصمة لم يجعلها الله تعالى إلا لأنبيائه ورسله، وهذا الكتاب قد أخذ عليه بعض المآخذ منها: أولًا: ركاكة خاصة في المقدمة، إذ إنه بعد المقدمة أورد نصوصًا محكمة، بينما المقدمة يغلب عليها السجع المتكلف الذي لا يتضح معه المعنى في بعض الأحيان.
ثانيًا: عدم تنظيم وترتيب الأبواب؛ فإن المسألة تفهم بترتيب مباحثها ومسائلها، وأن تبنى الثانية على الأولى والثالثة على الثانية، والمؤلف لم يهتم بهذا الترتيب، فربما قدم ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم، ولا شك أن هذا عيب كذلك.
يقول: ولم يهتم المؤلف بالعناوين التي تنظم الأبواب والنصوص، فربما يتكلم في عدة مسائل تحت مسمى واحد أو تحت كلمة واحدة، مع أن كل مسألة من هذه المسائل ينبغي أن تفرد بعنوان أو بباب أو فصل أو مبحث؛ لأنه قد يرغب القارئ في قراءة مبحث في القدر، فتجده يتكلم فيه على القرآن، أو تجده يتكلم فيه عن الإيمان بالملائكة، وربما يكون هناك فوائد تظهر لنا عند دراسة الكتاب، لكن على أي حال يعد هذا عيبًا في الكتاب من جهة التأليف.
ثالثًا: عدم صحة بعض الأحاديث والآثار الواردة فيه.
1 / 11
شرح أصول اعتقاد أهل السنة - مقدمة الكتاب [٢]
أعظم الأدلة والبراهين التي يجب على كل مسلم تعلم عقيدته من خلالها كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، وأقوال الصحابة، ثم إجماع السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم، ومن كان معه هذا المنهج فإنه لا يحتاج إلى أن يبتدع في دين الله ﷿؛ لأن عنده الأصل الأصيل في التشريع، أما من كان شاكًا في أمره، فإنه يترك اليقين للشك، ويذر الهداية للعمى، وهذا هو حال أهل البدع في كل وقت وحين.
2 / 1
مقدمة المصنف رحمه الله تعالى لكتابه شرح أصول الاعتقاد
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: ففي الدرس الماضي انتهينا من الكلام عن الكتاب وعن المؤلف كذلك، ووعدنا بأن ندخل في الموضوع مباشرة، والمقدمة التي كتبها الإمام مقدمة طويلة جدًا، وفيها فوائد عظيمة، خاصة أنه بين فيها بعض معالم أهل السنة والجماعة، وبعض معالم أهل البدعة والضلالة، وهذه المسألة في غاية الأهمية، إذ إن العلم بها لابد وأن يحفظ صاحبه في مسيره إلى الله ﷿.
قال الكاتب في المقدمة بعد أن ذكر راوي هذه النسخة وسند الكتاب: قال هبة الله أبو القاسم: [الحمد لله الذي أظهر الحق وأوضحه، وكشف عن سبيله وبينه، وهدى من شاء من خلقه إلى طريقه، وشرح به صدره، وأنجاه من الضلالة حين أشفا عليها -أي: حين أقدم عليها وكاد أن يهلك- فحفظه وعصمه من الفتنة في دينه، فأنقذه من مهاوي الهلكة، وأقامه على سنن الهدى وثبته، وآتاه اليقين في اتباع رسوله وصحابته ووفقه، وحرس قلبه من وساوس البدعة وأيده، وأضل من أراد منهم وأبعده، وجعل على قلبه غشاوة وأهمله، في غمرته ساهيًاَ، وفي ضلالته لاهيًا، ونزع من صدره الإيمان، وابتز منه الإسلام، وتيهه في أودية الحيرة، وختم على سمعه وبصره، ليبلغ الكتاب فيه أجله، ويتحقق القول عليه بما سبق من علمه فيه من قبل خلقه له وتكوينه إياه، ليعلم عباده أنه إليه الدفع والمنع، وبيده الضر والنفع، من غير غرض له ولا حاجة به إليه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، إذ لم يطلع على غيبه أحدًا، ولا جعل السبيل إلى علمه في خلقه أبدًا، لا المحسن استحق الجزاء منه بوسيلة سبقت منه إليه، ولا الكافر كان له جرم أو جريرة حين قضى وقدر النار عليه].
هذا كلام جميل جدًا في القدر، فهو يريد أن يقول: إن المحسن لما استحق الجنة لم يستحقها بإحسانه، وإنما بفضل الله ﷿، وكذلك الكافر استحق عذاب الله بعدله.
قال: [فمن أراد أن يجعله لإحدى المنزلتين -الجنة أو النار- ألهمه إياها، وجعل موارده ومصادره نحوها -أي: يسره لما خلق له، إما الجنة وإما النار- ومتقلبه ومنقلبه ومتصرفاته فيها، وكده وجهده ونصبه عليها؛ ليتحقق وعده المحتوم، وكتابه المختوم، وغيبه المكتوم -كما قال تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [الشورى:١٨]، -وقال-: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة:٢٥٧].
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده الذي لا شريك له، يحيي ويميت وينشئ ويقيت، ويبدئ ويعيد، شهادة مقر بعبوديته، ومذعن بألوهيته، ومتبرئ عن الحول والقوة إلا به.
ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه إلى الخلق كافة، وأمره أن يدعو الناس عامة؛ لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين].
2 / 2
بيان أن أول واجب على المرء هو معرفة الله وتوحيده
قال: [أما بعد: فإن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين].
أي: أن أول واجب يجب على المسلم أن يتعلمه هو: أن يتعلم عقيدته، وهذا هو منهج الصحابة كما ثبت عن جرير البجلي ﵁ أنه قال: كنا نتعلم الإيمان أولًا، فإذا نزل القرآن ازددنا به إيمانًا.
وقول عبد الله بن عمر ﵄: كنا نؤتى الإيمان أولًا، ثم نؤتى القرآن، فإذا قرأناه علمنا حلاله وحرامه، وزواجره وأوامره ونواهيه، ووقفنا عند ما يجب علينا أن نقف عنده منه، ولقد أدركنا أقوامًا قد أوتوا القرآن قبل الإيمان، فإذا قرءوه فإنهم لا يعلمون حلاله ولا حرامه، ولا يعلمون زواجره ولا أوامره ولا نواهيه، ينثرونه نثر الدقل.
أي: يقرءونه دون أن يخرجوا منه بفائدة إيمانية.
لذا فإن المرء لو تعلم الإيمان أولًا فلا بد وأن يقف عند كل نص في دين الله ﷿، سواء كان هذا النص من كتاب أو من سنة أو إجماع أو قياس صحيح سليم.
ولذلك ترى الرجل الذي تربى على الإيمان سرعان ما يبادر إذا وصل إلى سمعه أمر من أوامر الله، أو نهي من نواهي الله ﷿، فيسارع ويبادر إلى اعتقاد هذا الأمر وتعظيمه؛ لأنه من حرمات الله ﷿، ويبادر إلى تنفيذه إن كان أمرًا، أو ينتهي عنه إن كان نهيًا، بخلاف الذي أوتي العلم قبل الإيمان.
أي: أن هناك أناسًا عندهم علم كثير جدًا، لكن ليس عندهم إيمان، فهذا يجعلهم في حيرة وتردد وشك باستمرار كلما ألقي على أسماعهم وقلوبهم أمر من أوامر الله أو نهي من نواهي الله ﷿، ولذلك إذا لم تؤت الإيمان أولًا فاعلم أنك تحتاج مع كل أمر ونهي إلى من يذكرك بتعظيم أمر الله وحرماته وشعائره، حتى تتهيئ نفسيتك لقبول هذا الأمر والانتهاء عن هذا النهي، أما لو أن هذه القواعد الإيمانية موجودة من الأصل فأنت لا تحتاج مع كل أمر لمن يذكرك بوجوب تعظيم حرمة الله ﷿ عليك؛ لأن وجوب تعظيم حرمة الله من أعظم شعب الإيمان، فأنت إذا كنت تعلمت القرآن، وقد أوتيت الإيمان أولًا، فلا تلبث أن تسمع بالأمر أو النهي فتبادر إلى التنفيذ دون الحاجة إلى من يذكرك.
أي: تشعر أن عندك خشية لله ﷿، فإذا سمعت أنه أمر بأمر تقول: سمعًا وطاعة لله، ولا تجادل ولا تناظر ولا تلاجج ولا تجادل ولا تحاجج؛ لأن الأصول عندك ثابتة، وهي: السمع والطاعة لله ﷿، وهما ثمرتا الإيمان بالله ﷿ وبرسوله الكريم ﷺ، ولذلك هناك فرق كبير جدًا بين رجل عالم يشار إليه بالبنان لا إيمان عنده؛ فإنه يحتاج مع كل نص إلى مقدمة ومؤخرة، ومن يروضه على قبول هذا الأمر، ثم هو في النهاية يصرف هذا النص عن ظاهره ليهرب من العمل، ليهرب من مقتضيات هذا النص.
وأخ صغير يبلغ من العمر عشرين سنة أو أقل من ذلك، لكنه تربى على الإيمان، فسرعان ما يسمع بالآية أو سرعان ما يسمع بالحديث فيقول: والله دون هذا النص دمي، ولابد من تطبيقه والعمل به.
فما الذي دفع الشيخ أن يرد هذا الأمر؟ وما الذي دفع هذا الشاب الصغير لقبول هذا الأمر والقتال دون تنفيذه؟ إنه إيمان هذا الشاب بالله ﷿ الذي نتج عنه تعظيم شعائر الله وحرماته، وضعف إيمان ذلك العالم النحرير.
2 / 3
مصادر الاستدلال عند أهل السنة والجماعة
قال: [وكان من أعظم مقول -أي: من أعظم الأدلة والنصوص- وأوضح حجة ومعقول: كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله ﷺ وصحابته الأخيار المتقين].
فتأمل هذا المنهج لأهل السنة في الاستدلال، بينما منهج المبتدعة غير منهج أهل السنة، فهو يريد أن يقول: إن من أعظم الأدلة والبراهين التي يجب على المسلم أن يتعلم عقيدته من خلالها هي: كتاب الله، سنة الرسول، أقوال الصحابة.
لكن لا يوجد أحد أو جماعة أو فرقة أو طائفة من أهل البدع من تعتمد على أقوال الصحابة، وإنما هم يقولون: يكفي كتاب الله وسنة الرسول ﵊، ومع هذا يقولون: الأصل عندنا في الاستدلال: العقل، ثم القرآن من بعده والسنة، وما وافق العقل من القرآن والسنة أخذناه، وما لم يوافق العقل من القرآن والسنة أولناه وأخرجناه عن ظاهره حتى يوافق العقل، فجعلوا العقل هو الميزان الأعظم الذي تقاس عليه الأمور، والذي يجب أن تنضبط عليه نصوص الكتاب والسنة.
ونحن نقول: إذا خالف العقل النقل أخذنا بالنقل، والعيب والقصور في العقل، بينما أهل البدع يقولون -خاصة المعتزلة-: الأصل في الاستدلال العقل.
فإذا خالفه النقل فيكون العيب في النقل! لكنهم لا يستطيعون أن يقولوا هذه الكلمة؛ لأنهم يعرفون أنها مكفرة، لكنهم يقولون: إذا تعارض النقل مع العقل فلابد من تأويل النقل حتى يوافق العقل.
إذًا: الميزان الأعظم عندهم: العقل.
والميزان الأعظم عند أهل السنة: هو النقل.
وهذه أول فائدة.
الفائدة الثانية: أنهم لا يحتجون بأقوال الصحابة قط، بل قاموا على الصحابة وكفروهم وبدعوهم، وشهروا السيوف في وجوههم، وقد حصل هذا من الشيعة والخوارج وغيرهم، بينما موقف أهل السنة والجماعة معلوم من أصحاب النبي ﵊، وما جرى بينهم من فتنة.
فهذه لا ينبغي أبدًا ذكرها على سبيل التنقص بأصحاب النبي ﵊، وهو الذي قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
فهذا النص بظاهره وبغير شرح يلجم المرء إلجامًا، فلا يتكلم في أصحاب النبي ﷺ كلمة سوء واحدة، والذي يتكلم في أصحاب النبي ﷺ كلمة واحدة على سبيل التنقص، إنما يدل على مرض ونفاق ودخن في قلبه أبداه الله على فلتات لسانه.
وهنا نقول: إن منهج الاستدلال عند أهل السنة: كتاب الله المبين، ثم قول الرسول ﵊، ثم قول الصحابة الأخيار المتقين.
قال: [ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون].
سواء كان إجماع الصحابة، أو إجماع من أتى بعدهم.
[ثم التمسك بمجموعها].
أي: التمسك بهذه الأدلة التي هي الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وما أجمع عليه السلف الصالحون.
[والمقام عليها إلى يوم الدين].
أي: لا يبرح المرء ولا ينفك أن يحتج وأن يلجأ إلى هذه الأدلة.
قال: [ثم الاجتناب عن البدع].
أي: أن الذي معه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الصحيح لا يحتاج إلى أن يبتدع في دين الله ﷿، فهذه الأدلة كلها قد شملت أمور المسلم الحياتية والمعادية، فلماذا يبتدع في دين الله ﷿؟ ولذلك البدعة مناقضة ومناهضة ومجهضة للسنة، فما أحدثت بدعة إلا وأميتت وطمست سنة، ولذلك أحسن الإمام هنا عندما قال: أدلة احتجاج أهل السنة هي كذا وكذا وكذا.
ثم قال: [والاستماع إليها مما أحدثها المضلون] أي: اجتناب الاستماع إلى ما أحدثه المبتدعة؛ لأن كل بدعة ضلالة، وكل مبتدع ضال.
أي: منحرف عن الطريق السوي.
قال: [فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة، والآثار المحفوظة المنقولة، وطرائق الحق المسلوكة، والدلائل اللائحة المشهورة، والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون].
لم نسمع قط أن هناك صحابيًا عقلانيًا، وهم الذين خوطبوا بهذا الكتاب العظيم! فلم يقل منهم أحد: عقلي مقدم على كلام الله ﷿.
قال: [ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين، واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين، ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين، واقتفى آثارهم من المتبعين].
أي: أن هناك أئمة كثيرين جدًا خاصة في أبواب الاعتقاد، فنحن عندما نحتج لمنهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال نقول كلام مالك خاصة في الأسماء والصفات، فقد سئل مالك عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنده بدعة.
فهذا القول كلنا نحفظه أنه من قول مالك، في حين أنه ليس من قول مالك أصلًا، وإنما هو قول شيخه ربيعة الرأي.
أي: أن ربيعة الرأي هو الذي علم مالكًا هذا الأصل وهذا المنهج وهذا الإجمال في الاعتقاد.
وكذلك لم يكن هذا من كلام ربيعة، وإنما هو كلام أم سلمة ﵂ زوج النبي ﵊.
إذًا: معناه: أن مالكًا قد أخذ هذا العلم عن الصحابة ﵃ أجمعين.
قال: [ثم من اقتدى بهم من
2 / 4
نتائج تحكيم العقل في أمور الشريعة
قال: [ومن أعرض عنها وابتغى في غيرها مما يهواه -أي: يحب أن يميل إليه بهواه- أو يروم سواها مما تعداه؛ أخطأ في اختيار بغيته وأغواه -أي: وقع في الغواية والضلال- فسلكه سبيل الضلالة، وأرداه في مهاوي الهلكة فيما يعترض على كتاب الله وسنة رسوله بضرب الأمثال، ودفعهما بأنواع المحال، والحيدة عنهما بالقيل القال مما لم ينزل الله به من سلطان، ولا عرفه أهل التفسير واللسان، ولا خطر على قلب عاقل بما يقتضيه من برهان، ولا انشرح له صدر موحد عن فكر أو عيان، فقد استحوذ عليه الشيطان، وأحاط به الخذلان، وأغواه بعصيان الرحمن حتى كابر نفسه بالزور والبهتان.
فهو دائب الفكر في تدبير مملكة الله بعقله المغلوب].
أي: أن أحدنا لو تفكر في الكون، فمرد ذلك كله إلى قدرة الله وعظمة الله وقوة الله، لكن هذا المسكين إنما يفكر في ذلك بعقله هو، فهو إذا سلك هذا المسلك فهو في النهاية لابد وأن يقبح القبيح؛ لأنه يعتمد على عقله، فيجعل الحسن والقبح مداره على العقل، فما كان عنده قبيحًا قبحه، وما كان عنده حسنًا حسنه، وإن كان القبيح عنده عند الله حسن، وإن كان الحسن عنده عند الله قبيح.
قال: [فهو دائب الفكر في تدبير مملكة الله بعقله المغلوب وفهمه المقلوب بتقبيح القبيح من حيث وهمه، أو بتحسين الحسن بظنه، أو بانتساب الظلم والسفه من غير بصيرة إليه، أو بتعديله تارة]، فهو يقول: هذا سفه، ولا يمكن أن يكون الله قد فعل هذا.
واعلم أن قوله: (ولا يمكن أن يكون الله فعل هذا به).
هذا ذر للرماد في العيون، وإلا فهو يريد أن ينكر وأن يعترض على الله ﷿ في مملكته وفي تدبيره وخلقه، ولذلك هو يعترض ثم يقول: لا يمكن أن يفعل الله هذا.
لكن ماذا تقول أنت؟ أنت أولًا استبعدت قدرة الله ﷿، ثم تريد بهذا الاستبعاد -بزعمك- أن تنزه الله عنه، وفي الحقيقة أن الله هو الذي خلق ذلك.
كما قالت المعتزلة: القرآن مخلوق؛ لأن القرآن شيء.
فلما قام أهل السنة ونزهوا الله ﵎ ونزهوا صفاته أن تكون مخلوقة، قام عليهم المبتدعة من باب الذب عن الله وعن خلقه؛ لأن القرآن عندهم مخلوق.
فلما قال أهل السنة بغير مقالة المعتزلة حرشوا بأهل السنة عند السلاطين.
وهذا معلم ثان من معالم أهل البدع، فضلًا عن بعدهم وتحكيمهم لعقولهم في دين الله وفي شرع الله، فإنهم كذلك يحرشون بأهل السنة والجماعة عند السلاطين.
أما المعلم الثالث فهو: عداؤهم المستمر وبغضهم الدفين لأهل السنة والجماعة، وتحريشهم بأهل السنة عند السلاطين، وانحرافهم عن المنهج القويم.
قال: [وفهمه المقلوب: بتقبيح القبيح من حيث وهمه، أو بتحسين الحسن يظنه، أو بانتساب الظلم والسفه -إليه سبحانه- من غير بصيرة أو بتعديله تارة]، كلمة (أو بتعديله) هي قولهم: (من العدل كذا).
وأنتم تعرفون أن العدل هو أحد أصول المعتزلة، والمعتزلة لهم خمسة أصول منها: العدل، والتوحيد، -انظروا هذا الكلام الجميل- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فهذه من أصول المعتزلة، فأنت لما تسمع هذا تقول: هؤلاء المعتزلة أهل توحيد! وأهل عدل! وأهل أمر بمعروف ونهي عن منكر! فلماذا هم مختلفون مع أهل السنة والجماعة؟
الجواب
لا.
العدل عندهم غير العدل عند أهل السنة، والتوحيد عندهم غير التوحيد عند أهل السنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ضوابط عندهم غير ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند أهل السنة، وسنتعرض لهذا كله عند الكلام عن طائفة المعتزلة.
ومن أصولهم أيضًا: قولهم بالمنزلة بين المنزلتين في شأن مرتكب الكبيرة.
قال: [أو بتعديله تارة كما يخطر بباله، أو بتجويره كما يوسوسه شيطانه، أو بتعجيزه عن خلق أفعال عباده فهو راكض ليله ونهاره -أي: المبتدع- في الرد على كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ والطعن عليهما].
2 / 5
تأويل المبتدعة للنصوص وصرفها عن ظاهرها لتوافق بدعتهم
إذًا: المعلم الرابع لأهل البدع: تأويل النصوص.
بمعنى: صرفها عن ظاهرها لتوافق بدعتهم، بينما أهل السنة والجماعة يأخذون النص على ظاهره وعلى مراد الله ﷿، ويأخذون أقوال النبي ﵊ على مراد النبي ﵊، لكن أهل البدع يقولون: لابد من تأويل هذه النصوص حتى توافق أصولهم! فمثلًا: المعتزلة جعلوا لهم أصولًا تميزوا بها عن الحسن البصري وغيره، وجعلوا كل الأدلة الشرعية تعرض على هذه الأصول، فإذا وافقت هذه الأصول سمي عندهم دينًا، وما خالف هذه الأصول وجب ليه وتطويعه ليوافق عقولهم.
2 / 6
مجادلة أهل البدع بالباطل
قال: [فهو راكض ليله ونهاره في الرد على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ والطعن عليهما، أو مخاصمًا -لهذه الأدلة- بالتأويلات البعيدة فيهما]، أي: الذي هو صرف النص عن ظاهره.
قال: [أو مسلطًا رأيه على ما لا يوافق مذهبه بالشبهات المخترعة الركيكة؛ حتى يتفق الكتاب والسنة على مذهبه، وهيهات أن يتفق].
لأن هذا كلام اللطيف الخبير، وهذا كلام المخبول الضال، فكيف نطوع كلام الله ﷿ بكلام عبد قصير النظر وقصير العقل؟! قال: [ولو أخذ سبيل المؤمنين وسلك مسلك المتبعين لبنى مذهبه عليهما واقتدى بهما، ولكنه مصدود عن الخير مصروف].
أي: لما علم الله ﵎ سلفًا وأزلًا أن هذا العبد بعينه سيختار الضلال على الهدى، وسيعمى بعد بصيرة، هيأه ويسره لما خلق له.
قال: [فهذه حالته إذا نشط للمحاورة في الكتاب والسنة].
أي: أنه يخاصم ويجادل، ولن يحتج أبدًا بأقوال أهل السنة، ولذلك عندما تناقش شخصًا من المبتدعة سيقول لك: قال الله وقال الرسول، لكن عندما تقول له: ما قول ابن كثير في هذه الآية؟ يقول لك: من ابن كثير هذا؟! وهذا منهج أهل البدع، لكن نحن لو ناقشناهم وحاورناهم فسنقول: هذه الآية قال فيها ابن كثير كذا، والطبري قال فيها كذا، والقرطبي قال فيها كذا، وابن تيمية قال كذا.
إذًا: نحن متبعون، وهؤلاء سلفنا، فنحن نحتج بأقوال الله ﷿ بفهم سلفنا ﵃، أما هم فيأخذون فقط من الكتاب والسنة، فإذا وافق الكتاب عقولهم ابتداءً أخذوا به، أما لو خالف الكتاب عقولهم ردوه، وفي الغالب يخالف؛ لأنه لا يتفق كلام الله ﷿ مع كلام شخص مجنون مهبول؟! إذًا: فنحن نريد أن نقول: إن أقوال المبتدعة هي التي تخالف أصولهم.
وهم يقولون: كلام الله مخالف لأصولنا.
فهم جعلوا أصولهم هي الأصل، وكلام الله هو الذي يجب أن يقاس لا أن يقاس عليه، فلما استصعبوا موافقتهم للكتاب والسنة لجئوا إلى التأويل والتحريف لكلام الله وكلام رسوله حتى يوافق أصول مذهبهم.
قال: [فأما إذا رجع إلى أصله وما بنى بدعته عليه اعترض عليهما بالجحود والإنكار].
ومعلوم أن هؤلاء المعتزلة ردوا نصف السنة وزيادة؛ لأنها ضعيفة، ولأنها لا تثبت من جهة أنهم زادوا شرطًا في قبولهم للسنة لا يعرفه أهل السنة، ألا وهو: موافقة السنة للعقل إما تصريحًا أو تأويلًا، فإذا لم توافق السنة عقولهم لا تصريحًا ولا تأويلًا -أي: بعد ليها- فهي مردودة عندئذ، ولذلك هم يقولون دائمًا: ليس معقولًا أن النبي قال كذا.
لكنهم اجتهدوا على الكتاب فأولوه.
أي: أولوا فيه كل ما خالفهم أو خالف أصولهم.
أي: ليس معقولًا أن يقولوا لنا: ليس معقولًا قال ربنا كذا؛ لأن الله قد قال، وهذا المصحف بين أيدينا، فهم على استحياء شديد، فلا يستطيعون أن يردوا القرآن الكريم، لكن السنة عليها مطاعن كثيرة جدًا، وقد جعلوا أصلًا لا يعرفه أهل السنة وهو موافقة السنة للعقل، فلما خالفت السنة عقولهم الحقيرة ردوا معظمها، ولذلك يقول: [فأما إذا رجع إلى أصله وما بنى بدعته عليه اعترض عليهما -أي: على الكتاب والسنة- بالجحود والإنكار، وضرب بعضها ببعض من غير استبصار].
يأتون بالأحاديث التي ظاهرها التعارض فيضربوا بعضها ببعض، ومعلوم أن من أصول أهل السنة والجماعة في تأويل هذه النصوص التي ظاهرها التعارض: الصيرورة إلى النسخ إذا لم يكن الجمع ممكنًا، بينما هذا المبتدع يأتي لك بحديث يأمر بشيء، وحديث ينهى عن نفس الشيء، فيقول: أيعقل -ودائمًا تسمع بهذه الكلمة من أهل البدع- أن النبي قال في الأمر الواحد بالأمر والنهي، أو في الشيء الواحد بالأمر والنهي؟! لا.
ليس معقولًا.
إذًا: النبي ﷺ لم يقل هذا ولا قال ذاك.
وإن كان أحدهما يوافق العقل قالوا به ويبطلون الثاني.
قال: [واستقبل أصلهما ببهت الجدل والنظر من غير افتكار، وأخذ في الهزو -أي: في الاستهزاء- والتعجب من غير اعتبار، استهزاءً بآيات الله وحكمته].
وهذه قصة تبين ذلك: فقد ركبت مع شخص أعرفه منذ زمن، ثم قال لي: أتذكر تلك القضية القديمة التي كانت في سنة تسعة وثمانين أو في سنة تسعين؟ فقلت: نعم، أذكرها، وهي قضية أختك عندما قال لها زوجها: لا يحل لكِ أن تتصرفي في مالكِ إلا بإذني.
ثم قال: أتذكر الموضوع؟ فقلت له: أذكره.
وقلت له: وأذكر يومها أنني أحلتك على سنن ابن ماجه وشرح السنة للبغوي، فقال لي: حصل ذلك.
ثم قال لي: تصور أن فلانًا قال كذا وكذا.
فقلت له: وأنا أقول بهذا القول الآن كما قلت به سلفًا، أن المرأة لا يحل لها أن تتصرف في مالها بغير إذن زوجها وإن كان الإسلام حفظ الذمة المالية لكلا الزوجين -أي: أن هذا المال مال المرأة، وهذا المال مال الزوج- لكن للقوامة التي هي للرجل على المرأة، ولضعف المرأة في عقلها وسفهها، واكتمال الرجل في ذلك، وجب على المرأة دوامًا للعشرة أن تلجأ إلى زوجها، وألا تنفق من مالها -لا أقول: من ماله، وإنما من مالها-
2 / 7
تقديم المبتدعة لأقوال الرجال على النصوص الشرعية
قال: [وضرب بعضها ببعض من غير استبصار، واستقبل أصلهما ببهت الجدل والنظر من غير افتكار، وأخذ في الهزو والتعجب من غير اعتبار بآيات الله وحكمته، واجتراء على دين رسول الله ﷺ وسنته، وقابلها برأي النظام والعلاف والجبائي وابنه الذين هم قلدة دينه].
أي: أساتذة المذهب العقلي.
فيرد على النصوص بأقوال الفلاسفة، بأن يقول: كيف يقول ربنا ذلك؟! إن النظام قال كذا! وعلي الجبائي قال كذا.
ويرد على الأصول الأصيلة عندنا بأقوال الرجال، ومعلوم أن الأصل عند أهل السنة هو أننا لا نعرف الحق بالرجال، وإنما نعرف الرجال بالحق.
وهذا منهج أصيل، بينما أهل البدع يقولون: يعرف الحق من خلال الرجال، فإذا وافق الحق أقوال الرجال فهو حق، وإذا خالف فأقوال الرجال هي الحق، وهذا منهج الفلاسفة.
وما جهل المعتزلة بالكتاب والسنة وغيرهم من أهل البدع والانحراف والضلال جميعًا، وانحرافهم وفساد قلوبهم إلا لأنهم تنكبوا طريق السلف في منهج الاستدلال.
قال: [قوم لم يتدينوا بمعرفة آية من كتاب الله في تلاوة أو دراية، ولم يتفكروا في معنى آية ففسروها أو تأولوها على معنى اتباع من سلف من صالح علماء الأمة إلا على ما أحدثوا من آرائهم الحديثة، ولا اغبرت أقدامهم في طلب سنة أو عرفوا من شرائع الإسلام مسألة، فيعد رأي هؤلاء حكمة وعلمًا وحججًا وبراهين].
أي: أن رأي الرجال عندهم هو الحكمة وهو الدليل وهو البرهان.
قال: [ويعد كتاب الله وسنة رسوله حشوًا وتقليدًا وحملتها -أي: حملة الكتاب والسنة- جهالًا وبلهًا، ذلك ظلمًا وعدوانًا وتحكمًا وطغيانًا].
2 / 8
موقف المبتدعة من أهل السنة خصوصًا وأهل الإسلام عمومًا
2 / 9