284

Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen

شرح عمدة الأحكام لابن جبرين

Genres

شرح حديث ذي اليدين في السهو
في هذه القصة أنه ﷺ صلى بهم إحدى صلاتي العشي سماها أبو هريرة ونسيها الراوي، وأكثر الروايات على أنها صلاة العصر، وفي رواية أنها الظهر، فالراوي شك فيها هل هي الظهر أو العصر؟ وسميت صلاة العشي؛ لأنها في آخر النهار، فالنهار ينقسم إلى قسمين: أوله يسمى بكرة، وآخره يسمى عشيًا، وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم:٦٢] (بكرة) يعني: أول النهار إلى الزوال، (وعشيًا) يعني: آخر النهار من الزوال إلى الغروب.
وصلاة العشي هما صلاتا الظهر والعصر، إحداهما وقع فيها أنه صلى بهم ركعتين وترك ركعتين، واستمر في التشهد وسلم بعد ركعتين، ولما سلم ظنوا أنه حدث في الصلاة شيء؛ لأنهم لم يعهدوا ذلك من قبل، فقد كان دائمًا يصلي بهم أربعًا ولم يحدث أن اقتصر على ركعتين، فظنوا أن الصلاة قد قصرت.
و(خرج السرعان) أي: الذين يخرجون سريعًا دائمًا، خرجوا من الأبواب وهم يقولون: (قصرت الصلاة، قصرت الصلاة) يعتقدون أنه نقص عددها، وأنها رجعت إلى ركعتين، وكان الحاضرون قد توقفوا في الأمر.
النبي ﷺ قام من مصلاه الذي صلى فيه، وكان هناك خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها، ووضع إحدى يديه على الأخرى، وأدخل أصابعه بعضها في بعض أي: شبك بينهما وفهموا منه أنه غضبان، أو أنه قد أتاه ما يشغله أو ما يسوءه من أمر شغل باله عن عدد الركعات، ففهموا أنه غضبان، ولم يجرؤ أحد أن يتكلم حتى أبو بكر وعمر، فتجرأ هذا الرجل وهو ذو اليدين ويقال له: الخرباق وكان في يديه طول؛ فتجرأ وقال: (يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟!) يعني: لا بد من أحدهما.
فالنبي ﵊ على ما يعرف، قال: (لم أنس ولم تقصر) يعني: في نظري أني لم أنس، ولم يأت ما يغيرها ولم تقصر، فكرر عليه وقال: (بلى قد نسيت) يعني: إما أنك نسيت وإما أنها قصرت، فلما تأكد أنها لم تقصر، عرف أنه وقع نسيان فسأل الحاضرين: (أكما يقول ذو اليدين؟) فلما استقروا على أنه قد ترك من الصلاة ركعتين قام وصلى الركعتين اللتين تركهما، وبعد ذلك سلم بعدما صلاهما، ثم سجد سجدتين وأطال فيهما يعني: مثل سجوده المعتاد أو أطول بقليل ثم سلم.
هذا الحديث يعرف بحديث ذي اليدين؛ لأنه اشتهر فيه ذكر ذي اليدين.
في بعض الروايات أنه دخل بيته وأن ذا اليدين طرق عليه الباب كما في حديث عمران، وأنه ﷺ خرج مسرعًا وأنه قال: (إن هذا قال: إني تركت ركعتين) فاستدلوا بهذا الحديث على أن الفاصل اليسير لا تبطل به الصلاة فإن هاهنا فصلًا، وهو أنه قام من مكانه وجلس في مكان آخر واستقبل القبلة ومشى وقعد وتكلم وكلموه، ثم بعد ذلك رجع إلى مصلاه ولم يعد ذلك مبطلًا مع كونها حركات من غير جنس الصلاة، وكذلك الذين خرجوا من سرعان الناس خرجوا وهم يعتقدون أن الصلاة قد قصرت وقد تمت، واستدبروا القبلة وتكلموا فيما بينهم ومشوا مشيًا قليلًا أو كثيرًا، ومع ذلك رجعوا وبنوا على ما مضى من صلاتهم ولم يعدوا هذا الفاصل من المشي والكلام مبطلًا للصلاة.
في هذا الحديث أنه ﷺ سجد بعدما سلم من الركعتين اللتين تركهما، ثم سلم تسليمتين، كأنه انتهى من الصلاة، ثم سجد سجدتين يكبر لكل سجدة ويسجد، ويطيل سجوده كسجود الصلاة أو أطول ثم يرفع، ثم بعد ذلك سلم كما في حديث عمران بن حصين فيكون سلم ثلاث مرات: المرة الأولى: لما صلى الركعتين وسلم قبل أن يكمل صلاته.
المرة الثانية: لما أكمل ما بقي من صلاته.
المرة الثالثة: لما سجد للسهو.

16 / 4