عضل العضد هي المحركة ... إلى قوله: وعضلتان تأتيان من ناحية الخاصرة وتتصلان أدخل.
الشرح لما كان مفصل العضد مع الكتف محتاجًا إلى أنواع كثيرة من الحركات الإرادية التي إنما آلام بالعضل. وكان تحريك المستطيل من طرفه رفعًا وإلى الجانبين ونحو ذلك مما يحوج إلى قوة قوية جدًا، وجب أن تكون العضل المحركة لهذا المفصل كبيرة عظيمة وإنما وجب أن يكون اتصال هذه العضلات بطرف العضد لأنها لو اتصلت بغير ذلك الموضع لزمها عند التحريك رفع ما فوق أو تارها من الجلد وذلك عسر مؤلم وأول هذه العضلات المذكورة في الكتاب ثلاث عضلات تأتي من الصدر: الأولى: تبتدئ من تحت الثدي وهو الموضع المنخفض الخارج عنه وتلتحم أكثر أجزائها بالعضلة الثالثة التي نذكرها، وتنتهي إلى وتر غشائي ويلتحم في مقدم العضو في الجزء المعروف بزيق النقرة خاصة الذي من قدام، وإنما جعل هذا الوتر غشائيًا ليتسع له ولعظم العضد الزيق فإذا تشنجت هذه العضلات جذبت العضد مقربة له من الصدر لأن ابتداء ليفها من هناك، وتقريبها له من الصدر مع اشتراك، لأن موضع اتصالها بالعضد أعلى من موضع اتصالها بالصدر وهذا الاشتراك ليستتبع الكتف لارتباطه بالعضد بالأربطة التي عرفتها عند كلامنا في العظام.
والعضل الثانية: تبتدئ من العظم الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس من عظام القص، ويصعد إلى الجزء العالي من رأس العضد وهو الذي يلي الترقوة وهناك يلتحم برباط غشائي حول هذا المفصل. ووتر هذه العضلة أقوى من وتر التي قبلها وذلك لأمرين: أحدهما أن وتر تلك احتيج أن يكون غشائيًا لما ذكرناه، ويلزم ذلك أن يكون ضعيفًا لأجل رقته.
وثانيهما: أن تحريك تلك العضلة هو تقريب العضد من الصدر مع اشتراك وذلك أسهل من تحريك هذه، وهو تقريب العضد من الصدر مع استرفاع. وسبب ذلك أن وترها يأتي طرف العضد من فوق والعضلة الثالثة هي أعظم هذه العضلات وتبتدئ ليفها من جميع عظام القص ويمر الجزء الأعلى من ليفها عرضًا إلى موضع الكتف لأن منشأه على محاذاته أو بالقرب من ذلك، ويمر الجزء الأسفل منه إلى هناك صاعدًا على توريب لأن منشأه هذا الجزء من أسافل القص فيكون طريقه إلى الكتف، لذلك قال جالينوس: أن للأول أن يضع أن هذه عضلتان لا عضلة واحدة وذلك لأجل اختلاف المذكور في ليفها أو ليف جزئها السافل شديد المخالفة لليف جزئها العالي وكلا الجزأين كبيران لكن العالي أكبر كثيرًا إذ الثدي موضوع على هذه العضلة لأنه في طريق سلوكها. والجزء اللحمي من الإبط الذي في مقدم الصدر من هذه العضلة إلا القليل منه، وأكثر ذلك من الجزء السافل منها، وذلك لأن هذا الجزء من الإبط لما كان جذب الجزء من العضلة للعضد حينئذٍ قويًا إذ لا يكون ذلك الجذب معتمدًا على عظم لأنه لو لم يكن جذبًا إلى المنشأ بل إلى موضع الزاوية المنفرجة فلذلك احتيج أن يكون نفوذ هذا الجزء إلى الكتف على وجه يجذب عنه هذا الجزء من الإبط. وسواء كان هذا الجزآن عضلة واحدة، أو عضلتين فإن الوتر الجاذب منهما واحد وهو وتر دقيق بالقياس إلى ما يقتضيه جرم هذه العضلة ومع ذلك فلحميته قليلة وإنما خلق كذلك ليكون مع دقته شديد القوة، وإنما أريد أن يكون دقيقًا لئلا يثقل طرف العضد ويغلظه، واتصال هذا الوتر هو بأسفل مقدم العضد فإذا تشنج جزؤها العالي أقبل بالعضد نحو الصدر رافعًا له إلى فوق قليلًا لأن ليف هذا الجزء يرتفع بعضه عن طرف العضد فإذا تشنج جزؤها الأسفل أقبل العضد نحو الصدر خافضًا له لأن جذب هذا الجزء يكون على تأريب كما هو وضع ليه فإذا تشنج الجزآن معًا أقبلا بالعضد نحو الصدر على استقامته من غير رفع ولا خفض لأن ما يقتضيه كل واحد من الجزأين من ذلك يبطله الجزء الآخر، وإنما تتكافأ القوتان في ذلك فلا يكون الرفع أولى بسبب كون الجزء العالي أكبر وذلك لأن هذا الجزء وإن كان اكبر فليس جميع أجزائه ذاهبًا إلى رأس العضد في أعلاه بل بعضه يكون أسفل من محاذاة ذلك الموضع وهو ما قرب من الجزء السافل. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني عضلتي الخاصرة المحركتين للصدر قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعضلتان تأتيان من ناحية الخاصرة تتصلان ... إلى قوله وخمس عضلات منشؤها من عظم الكتف عضلة منها منشؤها.
الشرح
1 / 70