لما كان الصوت من الإنسان ونحوه إنما يتم بخروج النفس بهيئة مخصوصة وجب أن تكون آلته وهي الحنجرة متصلة بأعلى مجرى النفس ليتم هناك تكون الصوت كما نبينه في كلامنا في الصوت. ويحتاج أن تكون هذه الآلة ليست شديدة اللين فلا يكون لقرعها في بالهواء الخارج صوت يعتد به، ولا شديدة الصلابة، فيكون ما يحدث فيها من الصوت غير مستطاب، وأيضًا لو خلقت من أجسام صلبة جدًا كالعظام فإما أن تكون دقيقة فتتهيأ للانكسار بسهولة، أو لا تكون كذلك فتوجب زيادة في الثقل وغلظ في جرم العنق لا لضرورة فلذلك وجب أن تكون مخلوقة من غضاريف لتكون.. متوسطة الصلابة فيكون ما يحدث فيها من الصوت لذيذًا وتكون بما فيها من اللين آمنة من الانكسار عند المصادمات التي ليست شديدة القوة، وبما فيها من الصلابة معينة على قوة الصوت فلذلك: الحنجرة عضو غضروفي خلق آلة للصوت.
وينبغي أن يزاد هذا الحد فيقال: موضوع فوق القصبة الرئة ليخرج بذلك قصبة الرئة وأجزاؤها فإن كل واحد من ذلك يصدق عليه أنه غضروفي خلق آلة للصوت لأن قصبة الرئة وأجزاؤها، وإن كان المقصود الأول بخلقها إنما هو أن تكون آلة للتنفس فإنها أيضًا مع ذلك آلة للصوت.
لأن الصوت وإن كان يتم بالحنجرة، ولكن بشرط أن يكون الهواء الذي يجتذب به نافذًا إليها من القصبة حتى يكون آخذًا من مضيق ينحصر فيه إلى فضاء يحدث فيه بقرع الهواء لجدرانه كالطنين، والحال في البوق ونحوه من الآلات الصناعية للصوت الصناعي. ولم تجعل هذه الآلة من غضروف واحد ليمكن أن ينفرج عند إرادة تعظيم الصوت، وأن يضيق عند إرادة تحديده، وأيضًا لئلا تعم الآفة التي قد تحدث في بعض أجزائه وأقل ما يمكن أن يكون من غضروفين ليمكن أن ينفرج أحدهما عن الآخر فيتسع وأن ينضم أحدهما إلى الآخر فيضيق فلا بد وأن يكون بينهما مفصل ليمكن تحرك أحدهما إلى الآخر عند الانضمام وتباعده عنه عند الانفراج فلا يمكن أن يكون وضعهما بأن يكون أحدهما يمينًا والآخر شمالًا، وإلا كان المفصل إلى قدام وخلف فيكون ما يظهر منهما إلى قدام ضعيفًا بسبب المفصل فيكون مهيئًا للتضرر عند الملاقاة فلا بد وأن يكون هذا المفصل ما بين اليمين والشمال حتى يكون أحد الغضروفين من قدام والآخر من خلف فيكون كل واحد منهما في جهته وينبغي أن يكون القدامي مقببًا ليكون شكله كريًا فيكون أبعد عن قبول الآفات ومشتملًا على فضاء أو سع.
1 / 62