وثانيها: أن المتحرك لو كان هو الأعلى وهو مشتمل على أعضاء كريمة لينة لكانت الحركة تضر بتلك الأعضاء لما يلزمها من تمديد بعض جرمها وانقباضه. وخصوصًا الأعصاب. وإنما اختصت هذه الأعضاء بالفك الأعلى لأن أفعالها إنما تتم إذا كانت قريبة جدًا من الدماغ كما نبينه في موضعه. والفك الأسفل أبعد من الدماغ.
وثالثها: أن المتحرك لو كان هو الفك الأعلى لاحتيج أن يكون مفصله مع الرأس سلسًا، ولو كان كذلك لما أمكن أن يكون على سبيل الشأن أو الفراق كما بيناه أو لًا بل لا بد وأن تكون على هيئة الركز. ولو خلق كذلك لتهيأ للانخلاع بسبب ثقله، وكان انخلاعه شديد الإضرار بالأعضاء التي فيه. وها هنا أمران: آخران يوجبان اختصاص الحركة بالفك الأسفل: أحدهما: أنه لو كان المتحرك هو الأعلى والأسفل يكون ساكنًا لكان مفصل الأسفل يحتاج أن يكون موثقًا، وإنما يلزم أن يكون كذلك إذا كان شديد الاتصال بعظام الرأس والعنق وإنما يكون كذلك إذ كان عظيمًا جدًا، ويلزم ذلك أن يكون ثقيلًا، ويلزم ذلك زيادة ثقل الوجه.
وثانيهما: لو كان المتحرك هو الفك الأعلى لكان الفغر إنما يتأتى مع تحريك طرفه إلى قدام الوجه لأنه لم يمكن متمكنًا من الارتفاع كثيرًا بمنع عظام الرأس له عن ذلك، ولو كان كذلك لاحتاج أن يكون هذا التحريك كثيرًا جدًا عند إرادة أن يكون الفغر واسعًا. ويلزم ذلك أن ينتو مواضع أو تار العضل المحركة تلك الحركة لأنها إنما تكون آتية إليه من فوق، وعند حركته إلى قدام يخرج طرفه عن سمت مواضع تلك العضل، ويلزم ذلك نتوء مواضع الأوتار، وذلك يلزمه قبح صورة الوجه جدًا. ولا كذلك إذا كان المتحرك هو الفك الأسفل.
وأما الثاني وهو اختصاص التمساح بحركة الفك الأعلى فلأنه حيوان غذاؤه بالصيد ويداه خفيتان لا يتمكن من الثبات عليها حالة الصيد كما في الأسد ونحوه، فيحتاج أن يكون نهشه قويًا جدًا ليتدارك بذلك ما فاته بضعف اليدين. وإنما يكون قويًا إذا كان العضو لمتحرك بالإرادة متحركًا بالطبع أيضًا. ولو كان المتحرك هو الفك الأسفل لكان الأمر بضد ذلك لأن الفك الأسفل تكون حركته عند العض والنهش الصادرة عن الإرادة مضادة لحركته بالطبع لأن تلك الحركة إلى فوق، وحركته بالطبع إلى أسفل، فلأجل احتياج التمساح إلى قوة العض جعلت أسنانه العالية موضع السافلة كمنشارين، تدخل زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني عضل إطباق الفم قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ثم حركات الفك الأسفل لم يحتج فيها ... إلى قوله وأما عضل الفغر وإنزال الفك.
الشرح إنما يحتاج هذا الفك إلى الحركة في أحوال: أحدها: عند الكلام، وذلك يتم بفغر الفم وإطباقه بقدر يصلح لإخراج الحروف.
وثانيها: عند إيراد النفس من الفم إما لسدة في الأنف أو لأن التنفس به لا يكفي وذلك يتم بحركة الفغر.
وثالثها: عند العض والكلام، وذلك يتم بحركة الفغر والإطباق.
ورابعها: عند المضغ وذلك يحوج فيه إلى هاتين الحركتين مع حركة سحق المأكول وهي إنما تتم بإدارة الفك.
1 / 54