لما كان الإنسان بخلاف باقي الحيوانات منتصب القامة، وكان انتصابه على رجلين وأعالي بدنه ثقيل لم يكن له بد من أن يكون قدمه طويلًا ليشتمل على جزء كبير من الموطؤ فيكون يمكن القيام عليه أكثر، ويجب أن لا يكون طويلًا جدًا، وإلا كان يثقل الرجل ويعاوق عن الحركة بل جعل طوله قريبًا من سبع القامة ليجمع بين جودة الثبات والخفة، ولا بد وأن يكون هذا القدم إلى قدام لأن ذلك هو جهة ميل البدن بثقله إذ مقدم البدن أثقل من مؤخره لأن الأعضاء الثقيلة كالرأس وما دونه مائلة إلى قدام لأن ذلك هو جهة ميل وخصوصًا عند الهرم، وخلق له الأخمص لفوائد: إحداها: أن يخف فلا يثقل على الرجل.
وثانيتها: ليجود الوطىء على المحدبات.
وثالثتها: أن المشي إنما يتم برفع إحدى الرجلين حيث يراد الانتقال ولا بد من ثبات الرجل الأخرى ليمكن بقاء البدن منتصبًا وعند رفع إحدى الرجلين لا بد وأن يميل البدن إلى ضد جهتها كما إذا رفعنا أحد جانبي جسم ثقيل فإنا نجد ذلك الجسم يميل لا محالة إلى ضد جهة ذلك الجانب وتقعير الأخمص يوجب ميل البدن حينئذٍ إلى جهته وهي جهة الرجل المرفوعة فيقاوم الميلان لا محالة ويبقى البدن على انتصابه، ولذلك من يفقد له هذا الأخمص فإن بدنه يميل في حال مشيه عند رفع كل رجل إلى ضد جهتها.
ولقائل أن يقول: إنما يلزم الميل إلى ضد جهة المشيل إذا كان ذلك المشيل بحيث لا تكون حركته بانفراده كطرف الخشبة مثلًا.
وأما إذا لم يكن كذلك بل كان المشيل له انفصال عن الباقي حتى تمكن حركته بانفراده، كما في الرجل فإنه إنما يلزم من رفعه ميل الباقي إلى تلك الجهة بعينها كما لو أزلنا إحدى الدعامتين، فإن الجسم المدعوم إنما: يميل حينئذٍ إلى جهة المزيلة. ولكن في حال إزالتها إنما يكون الميل إلى ضد تلك الجهة لأن هذه الإزالة إنما تكون بعد رفع جزء من الباقي حتى يزول الثقل عن الدعامة فيزول. ويلزم ذلك ميل الجسم إلى ضد جهتها وليس لكم أن تقولوا إن الدعامة قد يمكن إزالتها بدون ذلك بأن تجر مثلًا لأنا نقول: إن الحال في رفع الرجل عند المشي ليس كذلك، لأن الرجل إنما ترفع بتقلص العضل الرافعة لها تقلصًا إلى فوق ويلزم ذلك رفع بعض أجزاء البدن وذلك يلزمه كما قلنا ميله إلى ضد جهة تلك الرجل.
ورابعتها: أن الإنسان قد يحتاج إلى الانتصاب على رجل واحدة مدة ما، ولولا الأخمص لكان البدن حينئذٍ قد يميل إلى ضد تلك الجهة، وأما إذا مال إليها لم يجد هناك رجلا يضعها ليمنع السقوط فيسقط، ولا كذلك الحال مع وجود الأخمص فإن الميل حينئذٍ إنما يكون إلى جهته، لا أعني بذلك حال رفع الرجل بل بعد الفراغ من تلك الحركة، وبقاء البدن على الرجل الواحدة. وإذا كان كذلك فإن للإنسان حينئذٍ أن يضع الرجل المشيلة فتمنع السقوط فيكون في خلقه الأخمص تمكنًا من وقوف الإنسان مدة على رجل واحدة من غير ضرر من السقوط. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني هيئة كل واحد من عظام القدم
ووصفه ومنفعته
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعظام القدم ستة وعشرون ... إلى آخر الفصل.
الشرح إن أجزام القدم مقسومة إلى ستة أقسام وهي: الكعب، والعقب، والعظم الزورقي، وعظام الرسغ، وعظام المشط، وعظام الأصابع.
1 / 48