تختلف الحيوانات في العنق فبعض الحيوانات لا عنق له كالسمك والفيل، ونحو ذلك من الحيوانات التي لا تصويت لها بفمها، فإن هذه الحيوانات لا حاجة فيها إلى آلة يتم بها هذا الصوت، فلا حاجة بها إلى الحنجرة ولا إلى قصبة الرئة. وبعض الحيوان له عنق، وكل حيوان يحتاج أن يصوت بفمه لأن هذا الحيوان يحتاج إلى خزانة يتجمع فيها هواء كثير ثم يخرج منها جملة بقوة في منفذ طويل صلب ضيق في آخره ثم يفضي إلى فضاء يحيط به جرم صلب وذلك الفضاء ضيق الآخر، ثم ينفصل منه الهواء إلى فضاء الفم، فيحدث من ذلك الصوت فالخزانة هي الرئة وهي إذا انقبضت بتحريك الصدر لها، انفصل منها الهواء بقوة، ونفذ في قصبة الرئة، وهي جرم صلب حتى إذا قرعها الهواء الخارج بقوة حدث من ذلك صوت، ثم يحتبس ذلك الهواء في هذه القصبة لأجل ضيق فمها، ويخرج منها بقوة لأجل ضيق ذلك الفم، فينتشر في فضاء الحنجرة وهي أيضًا من جرم صلب فيتم بذلك تكون الصوت، ثم ينفصل عن الحنجرة بقوة لأجل ضيق فمها أيضًا، فيحصل في فضاء الفم، وبذلك يكمل ويحسن وهناك ينفصل إلى مقاطع محدودة، ومقصورة تتألف منها الحركات والحروف ومن ذلك تتألف الكلمات للإنسان فلذلك تكون القصبة مع الحنجرة بمنزلة البوق في التصويت، وهذه القصبة مع الحنجرة لا يمكن أن يقوم بها فقط العنق وإلا لم يمكن إقلالها للرأس، فلا بد مع القصبة من عظام أخر يكون المجموع ذلك العنق. فلا بد وأن تكون هذه العظام هي التي ينفذ فيها النخاع فإنه لو كان في العنق عظام أخر لغلظ جدًا وثقل، والعظام التي ينفذ فيها النخاع هي عظام الفقار. فإذًا العنق إنما يتقوم بهذه العظام وهذه العظام سبعة لأن الإنسان يحتاج كثيرًا أن يطأطىء رأسه وبعض عنقه إلى قدام في حال إرادته النظر إلى أمام رجليه ونحو ذلك، وإنما يمكن ذلك بأن يكون بميل وسط العنق إلى خلف، وإنما يمكن ذلك إذا كان هذا الميل بتدريج فلو مالت حينئذٍ إلى خلف فقرة واحدة دون ما يجاورها لزم ذلك انقطاع النخاع هناك وخروج تلك الفقرة عن وضعها الطبيعي، وكان ذلك لها كالخلع فلا بد وأن يكون هذا الميل بتدريج وإنما يمكن ذلك بأن تكون مع الفقرة المائلة كثيرًا فقرتان مائلتان معها قليلًا وإحداهما فوقها والأخرى تحتها فلا بد وأن يكون المائل إذًا إلى قدام غير هذه الثلاثة ولا بد وأن يكون من كل جهة أعني فوق وأسفل أكثر من واحدة فإن ميل الواحدة لا يمكن أن يكون أزيد من ميل الثلاثة إلى خلف فلا بد وأن تكون اثنتان من فوق واثنتان من أسفل، فلذلك لا بد وأن تكون فقرات العنق سبعًا، وتحتاج أن يكون للعنق حركات متفننة إلى جهات كثيرة ليسهل للإنسان تحريك رأسه إلى الإشراف على أكثر بدنه وإنما يمكن ذلك بأن يكون في العنق عضلات كثيرة وأوتار وأعصاب، وتحتاج هذه إلى عروق وشرايين كثيرة فلذلك لا بد في العنق من ذلك كله، ولا بد وأن تكون زوائد فقار العنق غير معاوقة عن كثرة هذه الأعضاء وإنما يمكن ذلك بأن تكون سناسنها صغارًا وأجنحتها منقسمة إلى قسمين ليمكن دخول هذه الأعضاء بينها. وكذلك ينبغي أن تكون في أجنحتها ثقوب وتنفذ فيها هذه الأعصاب حتى لا تضيق.
قوله: ولما صغرت سناسنها جعلت أجنحتها كبارًا ذوات رأسين مضاعفة العرض بانقسام الأجنحة إلى قسمين ليس تضعيف الجناح، فإن ذلك يزيد في الثقل، وهو غير مطلوب ها هنا بل الغرض حدوث الفرج فيها، حتى لا يعاوق نفوذ ما تحتاج أن ينفذ هناك من العروق والأعصاب ونحوهما، وأيضًا فإن عظم السنسنة إذا كان مؤديًا إلى انكسار الفقرات الرقاق فعظم الأجنحة كذلك أيضًا، وأيضًا صغر السنسنة لا يلزمه كبر الجناح. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني أحكام الفقرة الأولى من فقار العنق قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه لكن للخرزة الأولى والثانية خواص ليست ... إلى قوله: وأما الخرزة الثانية فلما لم يمكن.
الشرح خرزات العنق تحتاج جميعها أن تكون مفاصلها إلى سلاسة ما لتكون حركة الرأس إلى الجهات جميعًا سهلة وأولاها بذلك الخرزة الثانية والثالثة، فإن حركة أعلى العنق إلى الجهات أكثر، والحاجة إلى ذلك أشد من حركة أسافل العنق، لأن الغرض من حركة العنق إنما هو تحريك الرأس، وذلك يتم بحركة ما هو إليه اقرب.
1 / 30