وأما أن التركيب أقوى فلأن الخط المستقيم أقصر الخطوط فيكون الانفصال أقل، ولا كذلك لو كان منحرفًا لأنه حينئذٍ يطول، وكذلك لو خلق مستقيمًا ولو لم يكن تحت الفرق لكان ما يتحلل منه من الأبخرة أقل لأنه حينئذٍ لا يكون في أعلى الرأس حيث ينتهي إليه البخار. وإذا كان هذا الدرز يقطع الرأس من أعلاه فلا بد وأن يمر طرفه المقدم بغاية ارتفاع الدرز الإكليلي ضرورة، أن كل سطح مستو أو خط مستقيم قطع كرة بنصفين فلا بد وأن يقطع كل دائرة يقاطعها على زوايا قائمة بنصفين نصفين، ويكون محيط الدائرة الحادثة بالقطع مقاطعًا لمحيطات تلك الدوائر على أنصافها. وأما الدرز الثالث من الحقيقية فأعلاه مشترك بين عظمي اليافوخ وبين الجدار الرابع. ولما كان النتوء المؤخر صغيرًا لم يكن على هيئة تحدب الكرة بل أقل انفراجًا؛ وأقل انفراجه في أعلاه، لأن أسفله يحتاج إلى سعة لأجل نفوذ النخاع منه. فلذلك يكون شكله كشكل قطعة من مخروط قطع بسطح مستو من أعلاه إلى قاعدته. فلذلك يكون هذا القطع على هيئة مثلث فيكون هذا الدرز على هيئة ضلعي مثلث متساوي الضلعين، ضرورة أن أعلى أسفله الرأس لا ميل له إلى أحد الجانبين. وأن هذا القطع يبتدئ من أعلى الرأس إلى أسفله فلا بد وأن يكون التقاء هذين الضلعين على نقطة هي الطرف المؤخر من الدرز المستقيم، ولكون ضلعي هذا الدرز مستقيمين فائدة وأمان: أما الفائدة: فليكون الخلل اقل فيكون التركيب أقوى. وأما الأمان: فلأن البطن المؤخر يقل احتباس الأبخرة فيه لأنه آخذ إلى الأسفل. ومن شأن البخار التصعد فيرتفع إلى جهة مقدم الرأس لأنه أرفع. ويسمى هذا الدرز اللامي لأنه يشبه اللام في كتابه اليونان. وأما الدرزان الكاذبان فهما موضوعان في جانبي الرأس يمنة ويسرة كل واحد منهما مشترك بين عظمي القحف الذي في جهته، وبين الجدار الذي في ذلك الجانب. وإنما خلقا هناك لأن فائدتهما كما قلنا أن ينفتحا عند كثرة الرياح والأبخرة لينقى الدماغ منهما مع بقاء الاستتار. والموجب لهذا الانفتاح في أكثر الأمر إنما هوا لريح الممددة إلى الجوانب، وأكثر تمديدها إنما هو من جهتي اليمين والشمال، لأن الرأس ما بين القدام والخلف متسع فلا يضيق على الريح كما يضيق ما بين الجانبين. وتعين هذه الريح على الفتح حركة الأبخرة إلى فوق مشيلة لعظمي القحف فيسهل الانفتاح، ولا كذلك لو جعلا في غير هذين الموضعين. قوله: مستقيم يقال له وحده سهمي، فإذا اعتبر من جهة اتصاله النقصان إما أن يكون في المقدار، وكذلك كما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما أصغر من المقدار المعتدل أو في العدد وكذلك كما إذا نقص للرأس أحد النتوءين أو كلاهما. وأما الخروج عن الطبيعي بالزيادة والنقصان معًا، فكما إذا نقص أحد النتوءين، وعظم الآخر. أو نقص النتوءان كلاهما، وازداد النتوء في جانب الرأس. وأما الخروج عن الأمر الطبيعي برداءة وضع الأجزاء فكما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما مائلًا إلى جهة اليمين أو اليسار. أو أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار وليس في هذه الأشكال ما يقع كثيرًا سوى أن يكون بنقصان أحد النتوءين أو كليهما. وهي أشكال الرأس المسفط. فقوله: ولا يمكن أن يكون للرأس شكل رابع غير طبيعي، يريد بذلك أن هذا لا يمكن من جهة النقصان، أي لا يمكن أن تكون رداءة شكل الرأس الحادثة بسبب النقصان أكثر من هذه الثلاثة، ولذلك علل بأن ذلك يلزمه نقصان في بطون الدماغ أو جرمه، ودروز الرأس منها ما لا يتغير بتغير شكله. وهي ثلاثة: المستقيم، والقشريان. ومنهما ما يتغير بحسب ذلك وهي درزان: الإكليلي واللامي. وسبب ذلك أن الرأس لو كان كرة حقيقية لم يكن جانب منه أولى من غيره بزيادة أو نقصان في الدروز بل كان إما أن لا يكون في اليافوخ درز البتة، أو إن كان فيه درز فليكن من جهة الطول والعرض على السواء وذلك بأن يكون في العرض درز كما في الطول درز، ويكون درز العرض في وسط العرض. كما أن درز الطول كذلك في وسط الطول لكن عدم الدروز بقطعة مخروط غير مواز لسهم ذلك المخروط المتوهم بل مقاطعًا لسهمه إلى قدام من أسفل، فلذلك يمر طرفا الجدار الرابع إلى قدام حتى يلاقيا عظم الفك الأعلى عند غاية انقطاع العظمين الحجريين، وإذا كان كذلك كان كل واحد من هذين القشريين أقصر كثيرًا من الدرز السهمي، ونفوذ هذين القشريين
1 / 15