Explication de l'Apparition du Soleil sur l'Alfiyya
شرح طلعة الشمس على الألفية
Genres
اعلم أن مثل قولنا: افعل هذا أو ذاك يستعمل تارة لطلب أحد الأمرين مع جواز الجمع بينهما، ويسمى إباحة نحو: جالس الفقهاء والمحدثين، وتارة في طلبه مع امتناع الجمع، ويسمى تخييرا، كقوله: بع عبدي هذا أو ذاك، وقد عرفت أن أو لأحد الشيئين فصاعدا، فثبوت الإباحة والتخيير إنما هو بحسب القرائن، ولذا قال المصنف: "فتثمر التخيير" إلى آخره، ولم يقل: للتخيير مثلا، وإنما تعرف الإباحة من التخيير بحال تدل على أحدهما، ومن دلائل الإباحة أن يكون الكلام بعد سبق الحظر، نحو: لا أكلم أحدا إلا فلانا أو فلانا، أو أن تعرف الصفة المرغوبة في كل واحد منهما، فكان له الخيار في الجمع بينهما، كما نحو: جالس الفقهاء أو المحدثين، أو يكون مقصوده إظهار السماحة، كما في نحو: خذ مالي هذا أو هذا، قال الأزميري: "ومن هنا قالوا فيمن حلف لا يكلم أحدا إلا فلانا أو فلانا: أن له أن يكلمهما جميعا، وكذلك لا أقربكن إلا فلانة أو فلانة، فليس بمول، أي من المستثنين، وإنما يكون موليا ممن عداهما"، قال: "ولو قال قد برء فلان من كل حق لي قبله إلا دراهم أو دنانير، أن له أن يدعي المالين جميعا؛ لأن هذه مواضع إباحة، والإباحة من دلائل العموم، أما الأولى فلأنه استثنى من الحظر، والاستثناء من الحظر إباحة، وأما الثانية: فلأن الإباحة إطلاق، والإطلاق يرفع المانع، وذلك يوجب التوسعة والتعميم"، أقول: وهذه التفريعات كلها صحيحة، والله أعلم.
وقد استدلوا على ثبوت التخيير بآية الكفارة؛ لأنها وإن كان لفظها خبرا؛ فهي إنشائية معنى، واستشكل استدلالهم بذلك؛ لأن خصال الكفارة لا يمتنع الجمع بينهما. وأجيب: بأن المراد امتناع الجمع من حيث الامتثال بالأمر، ففي أمر الوجوب لا يكون الامتثال إلا بأحدهما، وليس جمع الجامع بينهما من حيث الامتثال به، بل بالإباحة الأصلية، حتى لو لم تكن لم يجز، كما إذا قال: بع هذا العبد أو ذاك، وطلق هذه الزوجة أو تلك، وقد توجب أو المساواة في الحكم، كما في قول القائل: أنت طالق غدا أو بعد غد، فإنهم قالوا فيه أنها تطلق في الأقرب من ذلك؛ لأن معنى قوله: أنت طالق غدا أو بعد غد : أنت طالق في غد أو في ما بعدها على سواء، والله أعلم.
وليس من التخيير أو التي في قوله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } (المائدة: 33)، وإنما هي في الآية بمعنى بل، كذا قيل، فهي عند هذا القائل كالتي في قوله تعالى: { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } (البقرة: 74)، فيكون المعنى: بل يصلبوا إذا وقعت المحاربة بقتل النفس وأخذ المال، بل تقطع أيديهم إذا أخذوا المال فقط، بل ينفوا من الأرض إذا خوفوا الطريق.
Page 232