فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُومَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ كَانَ (١٣ آ) أُسْتَاذِي فَكَرِهْت مُخَالَفَتَهُ. ثُمَّ وَقَفَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا نَسَبَنِي إلَيْهِ. فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ. وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَلَمَّا مَاتَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَخْرُجْ مُحَمَّدٌ إلَى جِنَازَتِهِ. وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ اسْتِحْيَاءً مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّ جَوَارِي أَبِي يُوسُفَ كُنَّ يُعَرِّضْنَ بِهِ فِيمَا يَبْكِينَهُ، عَلَى مَا يُحْكَى أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَقُلْنَ عِنْدَ الِاجْتِيَازِ بِبَابِ مُحَمَّدٍ:
الْيَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَحْسُدُنَا ... الْيَوْمَ نَتْبَعُ مَنْ كَانُوا لَنَا تَبَعًا
الْيَوْمَ نَخْضَعُ لِلْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ ... الْيَوْمَ نُظْهِرُ مِنَّا الْحُزْنَ وَالْجَزَعَا
فَهَذَا بَيَانُ سَبَبِ النَّفْرَةِ.
فَأَمَّا سَبَبُ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ السِّيَرَ الصَّغِيرَ وَقَعَ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرو الْأَوْزَاعِيِّ عَالِمِ أَهْلِ الشَّامِ. فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا الْكِتَابُ؟ فَقَالَ: لِمُحَمَّدٍ الْعِرَاقِيِّ. فَقَالَ: وَمَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالتَّصْنِيفِ فِي هَذَا الْبَابِ؟ فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالسَّيْرِ. وَمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ كَانَتْ مِنْ جَانِبِ الشَّامِ وَالْحِجَازِ دُونَ الْعِرَاقِ. فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ فَتْحًا. فَبَلَغَ مَقَالَةُ الْأَوْزَاعِيِّ مُحَمَّدًا فَغَاظَهُ ذَلِكَ وَفَرَّغَ نَفْسَهُ حَتَّى صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ. فَحَكَى أَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: لَوْلَا مَا ضَمَّنَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَقُلْت إنَّهُ يَضَعُ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. وَإِنَّ اللَّهَ عَيَّنَ جِهَةَ إصَابَةِ الْجَوَابِ فِي رَأْيِهِ. صَدَقَ اللَّهُ ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦] (*) .
ثُمَّ أَمَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الْكِتَابُ فِي سِتِّينَ دَفْتَرًا، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَجَلَةٍ إلَى بَابِ الْخَلِيفَةِ. فَقِيلَ لِلْخَلِيفَةِ: قَدْ صَنَّفَ مُحَمَّدٌ كِتَابًا يُحْمَلُ عَلَى
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: يناقش الشيخ محمد أبو زهرة وغيره من الباحثين هذا السبب لتأليف الكتاب ويرده؛ إذ لا مجال لتصديقه، لأن الإمام الأوزاعي توفي سنة (١٥٧هـ) والإمام محمد ولد سنة (١٣٢هـ) فيكون الأوزاعي قد توفي ومحمد عمره خمس وعشرون سنة، ومكث محمد نحو اثنتين وثلاثين سنة لا يؤلف، إذ إنه توفي سنة (١٨٩) أي بعد الأوزاعي باثنتين وثلاثين سنة، وهذا غير معقول ولا مقبول، ولا يتفق مع تاريخ الكتاب ولا مع حياة محمد - رضى الله عنه -.
وعلى ذلك فإن كلام السرخسي عن سبب تأليف الكتاب غير مقبول. . .
1 / 3