وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ مَشْرُوعٌ، يَنَالُ بِهَا الثَّوَابُ. أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ ﵁ فِي قَوْلِهِ: أَلَا إنَّ لَكُمْ الْعُشْرَ، وَلَكِنَّ الثَّوَابَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَعْظَمُ، فَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ بِبَيَانِ تَحْصِيلِ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ لِكَيْ لَا يَتَخَلَّفُوا عَنْ الْجِهَادِ مُتَعَمِّدِينَ عَلَى أَنَّهُمْ جِيرَانُ بَيْتِ اللَّهِ وَسُكَّانُ حَرَمِهِ. وَاعْتَمَدَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَضْعَافِ الْمُضَاعَفَةِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٦١] . إلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] . فَإِذَا كَانَ هَذَا مَوْعُودًا لِمَنْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنْ يَبْذُلُ نَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ أَوْلَى.
وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ، فَتَأْوِيلُهُ مَعْنَيَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْ كَثُرَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ يَهُونُ الْبَيْتِ فِي عَيْنِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَرَاهُ، أَوْ لِكَيْ لَا يُبْتَلَى فِي الْحَرَمِ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] .
٨ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى شِرْعَةٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَسَنَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ شَرِيعَةٍ مِنْ الْإِسْلَامِ (١٦ آ)، هُمْ فِيهَا لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرُونَ وَعَلَيْهِمْ ظَاهِرُونَ، مَا لَمْ يَصْبُغُوا الشَّعْرَ وَيَلْبَسُوا الْمُعَصْفَرَ وَيُشَارِكُوا الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَغَارِهِمْ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا قَمِنًا أَنْ يَنْتَصِفَ مِنْهُمْ عَدُوُّهُمْ. فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ النُّصْرَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا دَامُوا مُشْتَغِلِينَ بِالْجِهَادِ.
1 / 13