تصانيفنا كما هو دأب البلغاء والمقصود بعون الملك المعبود هو أن المصنف قال (الحمد لله) بالجملة الاسمية لإفادة الديمومية لأن الفعل دال على اقتران مدلوله بزمان والزمان لا ثبات له فكذا ما قارنه واللام فيه للاستغراق عند أهل السنة خلافا للمعتزلة إذ كل كمال إنما هو لله ﷾ في حقيقة الحال أو طريقة المآل (المنفرد باسمه الأسمى) وفي نسخة المتفرد من باب التفعل بمعنى المتوحد الممتاز عن المشاركة فمآلهما واحد في المعنى وان اختلفا في المبنى والأسمى افعل التفضيل من السمو وهو الارتفاع أي الممتاز عن المشاركة في اسمه الأعلى والإضافة للتعميم فإن لله الأسماء الحسنى وكل واحد منها في مرتبته هو الأعلى والأغلى وأغرب الشمني في تفسير الأسمي بالعالي (المختصّ) صفة لله كالمنفرد ويجوز قطعهما بنصبهما أو رفعهما أي المخصوص (بالملك الأعز الأحمى) أي الموصوف باختصاص الاستيلاء على البلاد والعباد باطنا وظاهرا على وجه الأعزية الذي لا يحوم حوله ذل ومغلوبية لأنه في غاية المنعة ونهاية الحماية بحيث لا يقربه أحد أولا وآخرا والملك بضم الميم فإنه أبلغ من كسرها وعليه النسخ المصححة والأصول المعتمدة. وقال التلمساني: هو بضم الميم وكسرها (الّذي ليس دونه) أي قريب منه (منتهى) أي موضع غاية ومحل نهاية فيفيد معنى البقاء فإنه أول قديم بلا ابتداء وآخر كريم بلا انتهاء أو المراد أنه ليس للقرب منه نهاية يدركها أحد ولو كان من أهل العناية ويلائمه قوله (ولا وراءه مرمى) مقتبس من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس وراء الله مرمى ولا منتهى أي ليس غيره أو بعده مقصد للورى وأصل المرمى بفتح الميمين موضع الرمي شبه بالغرض والهدف الذي ينتهي إليه سهم الرامي. قال النابغة:
وليس وراء الله للمرء مذهب وفي النهاية أي ليس بعد الله لطالب مطلب فإليه انتهت العقول ووقفت فليس وراء معرفته والإيمان به غاية تقصد وحاصل الجملتين انه تعالى ليس في جهة ولا في حيز ومسافة ليكون للقرب غاية وللبعد منه نهاية، وأما القرب والبعد الثابت في نحو حديث ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت فإنما هو القرب والبعد المعنوي لا الصوري والحسي وإنما كمال القرب في الحب بحيث لا يشهد السالك إلا الله ويفني عن شهود ما سواه حتى يفني عن نفسه ويبقى ببقاه ونهاية البعد هو الغفلة عن الله على وجه يشاركه ما خلقه وسواه (الظّاهر) أي بالأدلة الدالة على وجوده وكمال كرمه وجوده لعين الحقيقة في شهوده (يقينا) وقطعا (لا تخيّلا) أي لا ظنا بالقوة الخيالية (ووهما) بسكون الهاء أي ولا وهما كما في نسخة مصححة ولا غلطا بالقوة الوهمية والمراد أن الله تعالى ظاهر بصفاته لدلالة مصنوعاته وظهوره لنا ليس على جهة ظن ووهم منابل ظهورا يغلب نورا أدركناه بعيون بصائرنا في الدنيا وسيرونه الأحباء بعيون أبصارهم في العقبى والحاصل أن جميع المخلوقات دالة على وجوب وجوده وألوهيته وتحقيق وحدانيته:
ففي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
1 / 10