137

Sharh Sahih al-Bukhari - Osama Suleiman

شرح صحيح البخاري - أسامة سليمان

Genres

باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ومن كفن بغير قميص
قال البخاري ﵀: [باب: الكفن في القميص الذي يكف، أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص].
إذًا: فهو رحمه الله تعالى قد تحدث عن الكفن في ثلاثة أثواب، ثم تحدث عن الكفن في ثوبين، وهناك تحدث عن الكفن في قميص، وهذا إن دل فإنما يدل على الفقه العالي لدى البخاري رحمه الله تعالى، وأيضًا قد تفنن في التبويب، فمن حديث واحد أخذ أكثر من باب.
وقد اختلف العلماء في معنى قوله: (يكف)، فمنهم من قال: يكف بمعنى: يغلق بأزرار.
ومنهم من قال: يكف، أي: يغطي، فيكون سابغًا طويلًا.
ومنهم من قال: معنى: (لا يكف)، أي: قصيرًا.
ومنهم من قال: (لا يكف)، أي: لا يغلق.
قال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد ومسدد هو أحد شيوخ البخاري، وللبخاري في الصحيح (٢٧٩) شيخًا، وقد أفرد بعض العلماء شيوخ البخاري بالترجمة في كتب مستقلة، ومن أشهر شيوخ البخاري في الصحيح: مكي بن إبراهيم وعبد الله بن يوسف التنيسي وحماد وإسحاق وعلي بن المديني وغيرهم من المحدثين الأعلام.
ثم قال رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن ابن عمر ﵄].
فالحديث ينتهي إلى عبد الله بن عمر، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأنا أذكر السند لتعرف أن السند من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
ثم قال رحمه الله تعالى: (أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي ﷺ، وعبد الله بن أبي هو الذي أنزل الله ﷾ فيه قرآنًا حينما قال: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ [المنافقون:٨]، يقصد بذلك النبي ﷺ، فوقف ابنه عبد الله على باب المدينة ومنعه من دخولها، وقال: (والله يا رسول الله لن يدخلها حتى يعلم من الأعز ومن الأذل)، وهذا هو ابنه ﵁، فتأمل الإيمان الحقيقي، ثم قال ﵁: (يا رسول الله! إن أمرت بقتل أبي فلا تأمر سواي حتى لا يقتله غيري، فتأخذني الحمية فأقتل من قتل أبي، فأكون قد قتلت مسلمًا بكافر)، فهنا يظهر الولاء والبراء، والموالاة والمعاداة، إذ هي من أوثق عرى الإيمان.
والعجب أنك تجد أناسًا يقومون على عمل إسلامي، فيفتخر أحدهم بأنه عضو في جماعة نصرانية! ويقول: أنا أحب ميلاد يوحنا حبيبي وصديقي! فهل هذا ولاء وبراء؟ وهل أُمرنا أن نوالي من عادى الله ورسوله؟! إنه لابد أن نعلن العداوة: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ [المجادلة:٢٢]، وأوثق عرى الإيمان هي الحب في الله والبغض لله، فأين عقيدة الولاء والبراء؟ ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة:٤]، فهذه عقيدة الولاء والبراء التي قد ضاعت عندنا، فحينما أحب المشرك وأقبّله وأحتضنه وأواسيه وأزامله أكون قد هدمت أوثق عرى الإيمان.
وهذا نقد صحيح في محله، لذلك فحينما أسمع بعض الناس، بل ممن يشار إليهم بالبنان: أنه لا فرق بين مسلم وغير مسلم! أصاب بالإحباط، وربنا يقول: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم:٣٥ - ٣٦].
قال: (يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه النبي ﷺ قميصه)، أي: أن النبي ﵊ قد استجاب لطلب الابن، رغم أن أباه معروف بالكفر والنفاق، لكنه محسوب على المسلمين في الظاهر، فقد قال كلمة التوحيد بلسانه، لكن قلبه على الكفر والنفاق والشرك.
قال: (فقال: آذني أصلي عليه)، أي: بعد أن تكفنه ناد عليّ لأصلي عليه.
(فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر ﵁، ولا نعتقد أن عمر جذب النبي ﷺ بسوء أدب، بل جذبه يخاطبه، فقال: (أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين، قال: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ

7 / 9