Sharh Risalat Abi Dawood li Ahl Makkah
شرح رسالة أبي داود لأهل مكة
Genres
ـ[شرح رسالة أبي داود لأهل مكة]ـ
مؤلف الأصل: أبو داود سليمان بن الأشعث السَِّجِسْتاني (المتوفى: ٢٧٥هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - ٤ دروس]
Page inconnue
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: رسالة أبي داود لأهل مكة (١)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن هذه الرسالة المقرر قراءتها في هذا الدرس، والتعليق عليها بما تيسر، هذه في وصف سنن أبي داود من قبل مؤلفها، من قبل مؤلف السنن، رسالة منه إلى أهل مكة يبين فيها شيئًا من منهجه، وشرطه في الكتاب، وطريقته فيه، والأئمة المؤلفون لكتب السنة المشهورة لم يصرح كثير منهم بشرطه، وإنما التمس شرطه من سبر كتابه، يسبر الكتاب وينظر فيه فيبين شرطه، ولذا تجدون العلماء يختلفون في هذه الشروط اختلافًا كثيرًا، فالإمام البخاري ما حفظ عنه من كلامه شيء مما اشترطه في كتابه، وما يذكره أهل العلم إنما هو مجرد استنباط واسترواح، وميل إلى ما يذكر من خلال النظر في الكتاب، نعم هو اشترط الصحة، وترك من الصحاح أكثر خشية أن يطول الكتاب كما نقل عنه، وله شروط بينها أهل العلم من خلال النظر في كتابه مما لم يصرح به هو، ولذا يختلفون فيها، وكذا الإمام مسلم ﵀ قدم بين يدي كتابه مقدمة هي التي تقرأ في الدرس الثاني، وبين فيها بعض شرطه، وترك شيئًا لمن يزيد في هذا الشرط من خلال النظر في كتابه والسبر الدقيق لهذا الكتاب، وقد بين أهل العلم شرطه مفصلًا، فما ذكره في كتابه لا يختلف فيه، وإن اختلفوا في مراده بالطبقات الثلاث التي ذكرها مما يذكر في مكانه -إن شاء الله تعالى-، أما ما لم يذكره فالخلاف فيه أكثر.
1 / 1
وكل أمر يستنبط من كلام البشر لا بد أن يوجد فيه الاختلاف، إن لم يكن صريحًا مع قوله، إن لم يكن بصريح قوله لا بد أن يوجد فيه اختلاف، ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [(٨٢) سورة النساء] وهذا أيضًا مرده إلى طريقة السبر والاستقراء، هل هو تام أو غير تام؟ لأن من الناس من يستعجل النتائج، يختبر الكتاب فيأخذ من أوله أحاديث، ومن ووسطه، ومن أثنائه، ومن آخره، فيحكم عليه أن هذه طريقة المؤلف، بينما فيما تركه ما يختلف مع ما قرره.
الإمام الترمذي ذكر شيئًا من شرطه في علله التي بآخر الجامع، ذكر شيء من شرطه ومنهجه، وما تركه أكثر، ولذا اختلف في مراده بقوله: "حسن صحيح" إلى بضعة عشرة قولًا، والحسن وإن نص عليه في علل جامعه إلا أن العلماء اختلف في مراده به اختلافًا كبيرًا.
ابن ماجه ما ذكر شيء، لكن واقع الكتاب أخذ منه شرطه، والنسائي كذلك.
ما ذكره العلماء في شروط الأئمة وتباينوا في تقريره فشرط البخاري أعلى الشروط عندهم، ويقولون: إنه لا بد من توافر ثقة الرواة، وتمام ضبطهم، وملازمتهم للشيوخ، وقد ينزل البخاري فينتقي من حديث من لم يلازم الشيوخ.
يليه شرط مسلم الذي يستوعب أحاديث هذه الطبقة، وينتقي من أحاديث من خف ضبطهم التي هي الدرجة الثالثة التي يقال عنها: إنها هي شرط أبي داود، وقد ينزل إلى أحاديث الطبقة الرابعة ممن خف ضبطهم ما عدم ملازمتهم للشيوخ الذين هم شرط الترمذي والنسائي، وقد ينزل الترمذي والنسائي إلى من مُسَّ بضرب من التجريح الواضح الذي هو شرط ابن ماجه، هكذا قرر أهل العلم كالحازمي مثلًا في شرط الأئمة، لكن هل هذا ينضبط أو لا ينضبط؟ لا يمكن ضبطه؛ لأنه لم يأخذ من كلام الأئمة صريحًا، تبعًا لذلك تباين في أقوال أهل العلم في مراد الحاكم بشرط الشيخين صحيح على شرطهما، صحيح على شرط البخاري، صحيح على شرط مسلم، اختلفوا بذلك اختلافًا كثيرًا.
1 / 2
مراده بشرط الشيخين هو الذي رجحه كثير من أهل العلم أن المراد بشرط الشيخين رجالهما، فإذا خرِّج الحديث من طريق الرواة أخرج لهما الشيخان، قال: صحيح على شرط الشيخين، وإذا خرج الحديث من طريق رجال أخرج لهما البخاري قال: صحيح على شرط البخاري، وكذلك شرط مسلم، وإذا خرج الحديث من طريق لم يخرج لهما البخاري ولا مسلم، أو وجد فيهم من لم يخرج له البخاري ولا مسلم قال: صحيح فحسب، ولم يقل: على شرطهما ولا على شرط البخاري، ولا على شرط مسلم لتخلف هذا الكلام، وهذا التقعيد عن بعض الرواة.
وهذا القول له وجهه، وتصرفات الحاكم تقويه؛ لأنه قال في بعض الحديث: عن أبي عثمان صحيح ولم يقل على شرطهما ولا على شرط واحد منهما، قال: وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي لقلت: إنه صحيح على شرطهما.
1 / 3
الكلام في شروط الأئمة يطول جدًّا، وفائدته ..، فائدة الكلام في شروط الأئمة فهم كلام الحاكم، والتصحيح على ضوء هذا الشرط إذا جئت بحديث وافقت فيه شرط البخاري، أو وقفت على حديث توافر فيه شرط البخاري تصححه، علمًا بأن التصحيح والتضعيف إنما مرده إلى نظافة الأسانيد واتصالها وسلامة المتون من المخالفات، فحينما يختلف أهل العلم في قول الترمذي حسن صحيح إلى هذا التباين الكبير أكثر من يمكن ثلاثة عشر قولًا أو أكثر، إنما هو بالنسبة لمن يقلد الترمذي في أحكامه، ولو افترضنا أن الترمذي قال: حسن صحيح، اختلفنا في المراد بالحسن الصحيح، ودرسنا إسناد الحديث الذي قيل فيه ذلك، وعلى ضوء طرائق الأئمة في دراسة الأسانيد فإننا قد نستأنس بقول الترمذي، وحكم الترمذي كأحكام غيره من الأئمة، لكن حكم الترمذي ليس بملزم لنا، إذا قال: "حسن صحيح" وفي إسناده رجل مضعف، أو في إسناده انقطاع فإنه لا يلزمنا أن نصحح ذلك تبعًا للترمذي، لكن إذا حكمنا على حديث فوجدناه صحيحًا، والترمذي قال عنه: حسن صحيح، اطمأنت النفس إلى هذه النتيجة، إلا على قول من يقول: بانقطاع التصحيح والتضعيف فعلينا أن نقلد الترمذي في أحكامه، فالمتأهل في جمع الطرق والنظر في الأسانيد لا يؤثر عليه هذا الكلام كثيرًا، لا يؤثر عليه هذا الكلام؛ لأن الترمذي قد يصحح، وهو إمام معتبر، لكنه ليس بمعصوم، قد يصحح حديثًا يضعفه غيره، فهل أنت ملزم بقول الترمذي: "حسن صحيح" والبخاري يضعفه، أو أبو حاتم أو غيرهم من الأئمة؟ لست بملزم، إذا تأهلت فأنت ملزم بما يؤديه إليه اجتهادك.
1 / 4
نعود إلى هذه الرسالة التي بين أيدينا، رسالة وجيزة في بيان واقع سنن أبي داود، ومنزلة السنن، وشرط أبي داود في سننه، وحكم ما سكت عنه أبو داود، والذي يبينه والذي لا يبينه وعدة أحاديث الكتاب إلى غير ذلك من المباحث اللطيفة التي ترد، وقد يقول قائل: إن هذه الرسالة لا تستحق هذه المدة التي ضربت لها، فنقول: هذا الكلام صحيح، وبالإمكان أن ننتهي منها في درس؛ بالإمكان هذا؛ لأن الكلام طولًا وتطويلًا واختصارًا سهل يعني، وبالإمكان أن نوسع الكلام فيها فتستغرق الوقت، لكن أظن التوسط يعني أخذها في هذا الأسبوع الأول، وترك الأسبوع الثاني ليختار فيه ما يناسب، إما متن مختصر، أو ننقل إليه درس العصر؛ لأنني أشوف الحضور اليوم العصر أقل منه في الفجر، أقل بكثير، ولعل حرارة الجو والارتباط بالدوام، وما أشبه ذلك قد يكون له أثر، وهذا ملاحظ حقيقة عند وضع الجدول، العام الماضي تعرفون وضعنا درس العصر ثم نقلناه، لكن مع ذلك سوف يستمر ابن ماجه بعد صلاة العصر إلى أن ينتهي هذا المتن، أو يقترح مكان هذا المتن بعده في الأسبوع الثاني متن آخر، ولعله مما يتعلق بسنن أبي داود كشرح أبي طاهر السلفي لمقدمة الخطابي على سنن أبي داود، والأمر إليكم.
طالب: أو ختم السخاوي فيه فوائد.
أو ختم السخاوي، نشوف لنا شيء، لكن اللي ترونه يعني.
طالب: أحسن الله إليك.
سم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان المعروف بابن البطي.
إن كانت بالتخفيف فأصله مهموز، البطيء، من البطء والتأخر، وفي الحديث المعروف «من بطأ به ...» إن كان هذا بالتخفيف، وإن كان منسوبًا إلى ... إلى إيش؟
طالب: البط.
إلى البط، فهو بالتشديد، وأنا ما راجعته، فيه أحد راجع؟
ما راجعت هذه النسبة، فتنظر -إن شاء الله تعالى-، نعم.
طالب: أحسن الله إليك.
1 / 5
المعروف بابن البطي إجازة إن لم أكن سمعته منه، قال: أنبأنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون المعدل، قراءة عليه، وأنا حاضر أسمع، قيل له: أقرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ؟ قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني بصيدا، فأقر به، قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفضل بن يحيى بن القاسم بن عون بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي بمكة يقول: سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد السجستاني، وسئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جوابًا لهم فأملى علينا: سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ﷺ كلما ذكر، أما بعد:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه الرسالة الموجزة المختصرة من الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة خمسة وسبعين ومائتين افتتحت بالبسملة، وهذه البسملة التي صدرها ليست من كلام المؤلف كما هو معروف؛ لأنها تسبق الإسناد والإسناد ليس من كلامه ﵀، وإنما من كلام آخر الرواة، آخر الرواة عنه، قال: ولا حول ولا قول إلا بالله العلي العظيم، هذه أيضًا ليست من كلام أبي داود، ولكن البداءة بالبسملة أمر مشروع اقتداءً بالقرآن العظيم، وبالنبي الكريم ﵊ في رسائله.
وأما قوله: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" فهو إظهار للعجز والتقصير يتضمن تواضعًا وانكسارًا لله -جل وعلا- في طلب الإعانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كنز من كنوز الجنة «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة» فإذا كان ترابها المسك الأذفر فما الكنز الذي يدخر ويخفى تحت هذا التراب؟! إذا كان الظاهر المباح المتاح للجميع هو المسك الأذفر، يعني بمنزلة التراب عندنا، تراب الجنة، فماذا يتصور العقل؟ وماذا يدرك من عظمة هذا الكنز؟! فعلى المسلم أن يكثر منها لأنها من كنوز الجنة.
يقول ﵀:
1 / 6
"أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان المعروف بالبطي إجازة" (أخبرنا) الأصل أنها صيغة أداء لمن تحمل بطريق العرض على الشيخ، (أخبرنا) استقر الاصطلاح على أنها إنما تستعمل يستعملها على من تحمل الخبر بطريق العرض على الشيخ، وهنا يقول: "إجازة، إن لم أكن سمعته منه" يعني هو متردد هل سمع أم لم يسمع؟ أما الإجازة فهي مجزوم بها، والإجازة هي الإذن بالرواية، فإن لم يكن سمع منه من لفظه فإنه يجزم بأنه رواه إجازة؛ لأن بعض الناس يسمع من لفظ الشيخ، أو يُقرأ على الشيخ، أو يَقرأ على الشيخ ثم يطلب الإجازة، لماذا؟ ما الفائدة من الإجازة وقد تُحمل من طريق أعلى منها وأقوى؟ خشية أن يكون في السماع خلل، أو يكون في العرض خلل، فيرقع هذا الخلل بالإجازة، وإلا فالإجازة ضعيفة، والسماع هو أقوى طرق التحمل، وصيغة الأداء المناسبة للسماع هي (حدثنا) الأصل أن يقول: حدثنا إن كان سمع، وإن كان عرض على الشيخ وقرأ عليه يقول: أخبرنا، وهنا يقول: أخبرنا وهو متردد بين السماع وعدمه، ومتيقن من الإجازة.
كثر استعمال المتأخرين الذين منهم هذا الشيخ استعمال (أنبأنا) في الإجازة، وكثر استعمال (عن) في الإجازة.
وكثر استعمال (عن) في هذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمن
لكن إذا صرح بالمراد، وأمن تدليس الراوي فليقل من الصيغ ما شاء، الأمر يكون سهل، ما دام قال: إجازة فلا يظن به أنه يدلس على الناس أنه قرأ الرسالة على هذا الشخص الذي روى عنه، فإذا صرح بالمقصود فلا يضيره أن يقول: حدثنا أو أخبرنا أو عن فلان أو أنبأنا فلان، لا يضيره هذا، وهنا صرح إجازة.
"إن لم أكن سمعته منه" هو يشك في كونه سمع هذه الرسالة من هذا الشيخ، وهذه في غاية الدقة والأمانة في الأداء، إذا شك في الأعلى صرح في بالأدنى لأنه متيقن، إذا شك في الأعلى لا يجزم به، ويصرح بالأدنى لأنه متيقن، ولذا يقولون: أيهما أفضل أن يقول: أخبرنا أو أخبرني؟ هو إن كان معه غيره قال: أخبرنا، وإن كان منفردًا قال: أخبرني، وإن شك بعد طول الزمن يشك هل كان وحده أو كان معه أحدًا؟ هل يقول: أخبرنا أو أخبرني؟ نعم؟
طالب: أخبرنا.
1 / 7
أخبرنا بالجمع، وجوده بمفرده متيقن، ووجود غيره معه مشكوك فيه، وهو يجزم أنه موجود، فهل يقول: أخبرنا أو أخبرني؟ أخبرني لأنه متيقن من وجوده في حال الرواية، لكن وجود غيره في الرواية مشكوك فيه، ومن أهل العلم من يقول: أخبرنا، لماذا؟ يقول: أخبرنا أرجح.
طالب:. . . . . . . . .
أقل، أقل مرتبة وجوده من غيره؛ لأنه إذا وجد منفردًا فإنه حينئذٍ يخص بالتحديث، وإذا وجد مع غيره لا يعني هذا أن المحدث اهتم بشأنه واعتنى به؛ لأنه إذا قلت: أخبرني فلان، لما تقول: والله أخبرني الشيخ فلان، معناه أن الشيخ خصك بهذا الخبر، وإذا قلت: أخبرنا، يعني أنت جالس في المجلس، ومعك مجموعة من الناس، ولا يدرى هل أنت مقصود بالتحديد أو غير مقصود؟ أنت مع الناس، لك أن تقول: أخبرنا، أو تقول: حدثنا، فكونك تقول: أخبرني الإفراد يدل على إنك مقصود بالتحديث، وقد تتزود بهذا على الناس، وتدعي ما ليس بواقع، وعلى كل حال إذا برئت النفس وسلمت من هذا الترفع وهذا التكبر فالأمر سهل، فإذا قال: أخبرنا فإن كان منفردًا فالعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، وإن كان معه غيره فقد حكى الواقع، وإذا قال: أخبرني فالأصل أنه موجود وغيره مشكوك فيه، لكن إذا وجد في النفس ما يدل على أو ما يشم منه إنه يريد بذلك أنه مقصود بالتحديث، وأنه أهل لأن يخص بالحديث حينئذٍ يقول: أخبرنا.
1 / 8
"إجازة إن لم أقل سمعته منه، قال: أنبأنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون المعدل قراءة عليه، وأنا حاضر أسمع" يعني تلقى هذه الرواة بطريق العرض، العرض هو القراءة على الشيخ "قراءة عليه وأنا حاضر أسمع" يعني بقراءة غيره لا بقراءته هو، وسواء كانت القراءة من قبله، هو الذي يقرأ أو غيره هو الذي يقرأ، فكله عرض على الشيخ، يعني قراءة على الشيخ، والعرض دون السماع من لفظ الشيخ، والرواية بطريق العرض جائزة بالإجماع، وصحيحة بالاتفاق، لكنها دون السماع من لفظ الشيخ، ورجحها بعض من شذ على السماع من لفظ الشيخ، فالسماع من لفظ الشيخ هو الأصل، والعرض عليه فرع، وهو دون السماع، الأصل في الرواية أن الشيخ يقرأ، والنبي ﵊ يتكلم بالحديث، والصحابة يسمعون، فالسماع من لفظ الشيخ هو الأصل في الرواية.
منهم من يرجح العرض على الشيخ على السماع من لفظه، ويقولون: إن الطلاب إذا سمعوا من الشيخ في حال السماع الذي هو أرفع طرق التحمل قد يخطئ الشيخ، ولا يجد من يرد عليه، أو ينبهه إلى الخطأ، لكن إذا كانت الرواية بطريق العرض والقراءة على الشيخ إذا أخطأ الطالب لن يتردد الشيخ في الرد عليه، هذا وجه من رجح العرض، لكن عامة أهل العلم على أن السماع من لفظ الشيخ هو الأصل في الرواية.
العرض على الشيخ صيغة الأداء المناسبة لما تلقي بطريق العرض أخبرنا، يعني استقر الاصطلاح على هذا، وإن كان الإمام البخاري لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، لكن أكثر أهل العلم على التفريق، وأن ما تلقي بطريق السماع يقال فيه: حدثنا، وما تلقي بطريق العرض يقال فيه: أخبرنا، وهنا يقول: أنبأنا.
1 / 9
الأصل في أخبرنا وحدثنا وأنبأنا أنها ألفاظ من حيث المعنى متقاربة إلا أن الإنباء هو الإخبار بما له شأن، وإلا فالأصل أن الإنباء والإخبار ﴿عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [(١ - ٢) سورة النبأ] يعني عن الخبر العظيم، فالإنباء والإخبار بمعنى واحد في الأصل، وإن كان الإنباء يفوق الإخبار، فسواء قال: أنبأنا أو أخبرنا لا يختلف إلا بعد أن استقر الاصطلاح؛ لئلا يتوهم أن ما تلقي بطريق الإجازة أو بطريق المناولة نعم يظن فيه أنه تلقي بطريق العرض والقراءة على الشيخ؛ لأن الإجازة والمناولة دون العرض على الشيخ.
"قراءة عليه وأنا حاضر أسمع" كثيرًا ما يقول النسائي -رحمه الله تعالى-: "الحارث بن مسكين فيما قُرئ عليه وأنا أسمع" ولا يقول: أخبرنا ولا أنبأنا ولا حدثنا بدون صيغة، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأن الحارث بن مسكين طرد النسائي من الدرس، من الحلقة، فكان يختبئ وراء سارية ويسمع، فلكون الحارث بن مسكين ثقة، عدل، حافظ، ضابط، لم يفرط النسائي بالرواية عنه، ولكونه لم يقصد بالتحديث بل طرد منه ما استجاز لنفسه أن يقول: أخبرنا، وإنما ترك الأمر بدون صيغة "الحارث بن مسكين فيما قرأ عليه وأنا أسمع" وهذا من تمام ورعه ﵀، لكن إذا طرد الطالب من الدرس؛ لأن المدرس مثلًا يأخذ الأجرة وهذا رفض يدفع الأجرة مثلًا، وقال: لا تسمع مني، يجوز له أن يسمع ويروي وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو علم، يجوز وإلا ما يجوز؟ يعني هل يملك؟ حتى لو أن مجموعة من الطلاب، مجموعة جالسون بين يدي الشيخ ويحدثهم فيقول: أنت يا فلان لا تروي عني شيئًا، يملك وإلا ما يملك؟ ما يملك، ما يملك أن يقول له: لا ترو عني شيئًا، فإذا سمع منه يروي عنه وينقل، والعلم الأصل فيه أنه مشاع، هذا فيما لا كلفة فيه، لكن لو أن إنسانًا تعب على شيء، واقتطع من وقته ما أضر بمصلحته ومصلحة ولده، وأراد أن يأخذ عليه أجرًا، ومنع بعض الناس من الحضور إلا بالأجر، المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن قوله ﵊: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» يدل على الجواز، وإن كان الورع تركه.
1 / 10
"قراءة عليه وأنا حاضر أسمع، قيل له: أقرأت على أبي عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ؟ قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني بصيدا، فأقر به" أقرأت؟ فقال: نعم، ولو لم يقل ذلك، تصح الرواية وإلا ما تصح؟ إذا قيل: أقرأت على فلان؟ أحدثك فلان؟ سكت، ما قال: إيه، ولا لا، واستمروا في الإسناد، في سرد الإسناد، الجمهور على أن هذا لا يؤثر، وبعضهم يقول: لا بد من أن يقر، لا بد أن يقول: نعم.
"قيل له: أقرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ؟ قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني بصيدا، فأقر به، قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفضل بن يحيى بن القاسم بن عون بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي" الاسم فيه موجود الكنية والنسب الهاشمي، وفيه الاسم عشاري وإلا أكثر؟ اثنا عشر، لكن كون الاسم يسرد بهذه الطريقة، يسرد إلى الجد الثاني عشر، أو الجد الحادي عشر، أو الجد العاشر، هل يستفيد المعرف بهذه الطريقة أو لا يستفيد؟ هل ترتفع الجهالة عنه بذكر نسبه كاملًا؟ ترتفع عنه الجهالة وإلا ما ترتفع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، إذا ذكر إلى الجد العشرين ولم يرو عنه إلا واحد يبقى مجهول العين، إذا ذكر إلى جده الثلاثين وروى عنه اثنان ولم يذكر بجرح ولا تعديل ترتفع جهالة العين وتبقى جهالة الحال، وهنا يقول كل من وقف على اسمه: إنه لم يقف على ترجمته، وهو هاشمي، وكتب التراجم أحاطت بكثير من الرواة، وهذا منهم، فهل هذه الجهالة تدل على أنه ليس بمشهور في العلم، ويحتمل أن يكون فيه شيء من التصحيف؛ لأن التصحيف من أعظم أسباب الجهالة، وعدم الوقوف على ما يرفعها، لأنك إذا لم تقف على الاسم بدقة ما وصلت إليه.
1 / 11
نعيم بن سالم لا يعرفه أحد، كل كتب التراجم ما ذُكر فيها، وتنسب إليه نسخة موضوعة، لماذا؟ لأنه مصحف، أصل اسمه يغنم ما هو بنعيم، يغنم بن سالم الوقوف عليه من أيسر الأمور إذا عرفنا اسمه الصحيح، فمثل هذه الأمور بالإمكان أن طالب العالم إذا لم يقف على ترجمة، وصعب عليه الوقوف عليها، لا يبادر بقوله: لم أقف عليه، بل عليه أن يقلب، فينظر فيما يحتمل التصحيف، وينظر إلى المصادر أخرى التي نقلت هذه الرسالة بإسنادها، ثم بعد ذلك إذا عجز وضاقت به المسالك يحكم بأنه لم يقف عليه.
"بمكة" الأول بصيدا، والثاني بمكة، فائدة ذكر البلد، بلد الرواية؟ الفائدة من ذكر بلد الرواية؟
طالب:. . . . . . . . .
أولًا: الدلالة على مزيد الضبط من جهة، الأمر الثاني؟ معرفة بلدان الشيوخ التي يعرف منها إمكان اللقاء وعدم الإمكان؛ لأنه إذا قال: بمكة وعرف عن الراوي عنه أنه ما ورد مكة، أو قال: بصيدا، وعرف عن الراوي عنه أنه ما ورد صيدا، ولا دخل صيدا، نعم يشك في الاتصال، يشك في اتصال السند.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: أحسن الله إليك، الجهالة ما لها أثر في إثبات الرسالة؟
يعني كونه لم يوقف عليه؟
طالب: إيه.
أما هذه الرسالة فقد تلقاها الأئمة بالقبول، وتداولوها بكتبهم وتناقلوها بأسانيدهم لها أكثر من طريق، تناقلوها بأسانيدهم، وأحيانًا مجموعة المجاهيل يثبت بها الخبر، بمجموعة مجاهيل، لو قال مثلًا: عن عدة من شيوخنا، هؤلاء العدة مجاهيل، كما قال ابن عدي في قصة امتحان البخاري: يرويها بن عدي عن عدة من شيوخه، قالوا: إن هؤلاء العدة كل واحد منهم مجهول، لكن بمجموعهم يدل على ثبوت القصة.
طالب:. . . . . . . . .
1 / 12
لا، لها أكثر من طريق، وعلى كل حال مثل هذه الرسائل التي يشدد الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في إثباتها بالأسانيد، ونفى مجموعة من الكتب بهذه الطريقة إذا استفاضت بين أهل العلم، وأكثر النقل عنها، ولم يوجد لها طريق يثبت على طريقة أهل الحديث، فلا يبادر الإنسان بنفيها عن مؤلفها إلا إذا وجد فيه من الكلام ما لا يناسب من نسبت إليه، فمثلًا رسالة الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد قالوا: إن في ثبوتها للإمام أحمد نظر، وعندي أكثر من مائة نقل في كتب شيخ الإسلام عن هذه الرسالة منسوبة إلى الإمام أحمد، وعن غير شيخ الإسلام، فهل نقول: إن هذه الرسالة لا تثبت للإمام أحمد؟ لا سيما وأنه ليس فيها ما ينكر، فإذا وجد ما ينكر ولا يوافق أصول ما نسبت إليه نعم قف وشك.
1 / 13
رسالة الحيدة لعبد العزيز الكناني لم يثبتها الحافظ الذهبي، لكن هل فيها ما ينكر نسبتها إلى هذا الشخص، فينظر في ما يدون في هذه الرسائل فإن كان ما ينكر نأتي بالقافة، يعني مثل أنساب الرجال، الأصل أنها تثبت بالاستفاضة، بعض أهل العلم استفاض بينهم أن هذه الرسالة لفلان ونقلوا منها من غير نكير، فالاستفاضة كافية لا سيما إذا كانت جميع ما فيها جار على قواعده وأصوله، مثل أنساب الرجال، فإذا وجد ما يشكك في النسب نعم نأتي بالقافة، لكن مثل هذا الكلام هل يفتح مجال لمن أراد أن يزور كتب؟ يقول: هذا الكلام كله صدر عن فلان، ويلتقط من كتبه، ويجمع من كلامه لا من كلام غيره، يأتي إلى كتب شيخ الإسلام فيدبلج له كتاب، ويسميه باسم، ويقول: كل هذا الكلام ما في ما ينكر، كله نطق به شيخ الإسلام، يمكن أن يرد على ما ذكرنا؟ ما الذي ينفيه إيش؟ اللي ينفي مثل هذه الرسالة الاستفاضة بين أهل العلم، إذا تداولوها ونقلوا منها، مثل أحيانًا يطلع لنا كتاب عن شيخ الإسلام مسمى باسم جديد علم الحديث مثلًا، وهو ملتقط من كلام شيخ الإسلام، أو دقائق التفسير مثلًا، أو ما يسميه بعضهم بتنتيف الكتب، يأتي إلى باب أو إلى فصل من كتاب وينشره بكتاب مستقل لفلان، وإذا كان الهدف من ذلك تيسير وصول هذا الفصل، وهذا الباب المهم مع الإشارة إليه من أنه منتزع من كتاب كذا، فاعله مأجور، يعني فيه فصل مثلًا في البداية والنهاية كثير من طلاب العلم كيف يقرأ البداية والنهاية في أربعة عشر مجلدًا، أو أكثر من ذلك في بعض الطبعات؟ فينتزع فصل منها يختص مثلًا بخلق السموات والأرض، ثم يذكر أن خلق السموات والأرض منتزع من البداية والنهاية، كما فعلوا في قصص الأنبياء والسيرة النبوية لابن كثير وغيره، فإذا بُين أنه قسم من الكتاب بحيث لا يغتر به من يراه لأول مرة، ثم يشتريه، ثم يظهر كتاب آخر، وينشر الكتاب مرارًا بتغير العناوين، ففاعله مأجور، أما إذا كان القصد من ذلك الترويج للتجارة فهذا مذموم؛ لأن هذا يروج على الناس ما يوجد عنده، ويلزمهم بغير لازم.
1 / 14
"بمكة، يقول: سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد السجستاني" في بعض النسخ بالبصرة، والإمام أبو داود سكن البصرة في آخر عمره، وسئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جوابًا لهم، فأملى علينا، هنا يقول: سمعت، سمعت تقال فيما سُمع من لفظ الشيخ "فأملى علينا" والإملاء إذا كان السماع أعلى طرق التحمل، فالإملاء أعلى أنواع السماع؛ لما فيه من تحرز الشيخ والطالب، كل منهما متحرز، فالشيخ متحرز ومتيقظ؛ لأنه يملي، والطالب متحرز متيقظ لأنه يكتب من لفظ الشيخ، فالإملاء أعلى درجات السماع الذي هو أعلى طرق التحمل.
. . . . . . . . .
1 / 15
يقول: "سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد السجستاني، وسئل عن رسالته" الواو هذه؟ حالية، الواو واو الحال "وسئل" والحال أنه قد سئل "عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جوابا لهم" كأنهم سألوه عن كتابه، وعن بعض ما اشتمل عليه كتابه، فأجابهم بهذه الرسالة "فأملى علينا" وعرفنا أن الإملاء أعلى درجات السماع الذي هو أعلى طرق التحمل والإملاء والأمالي سنة معروفة عند أهل الحديث، عندهم ما يعرف بمجالس الإملاء، وعندهم أيضًا ما يعرف بالأمالي، فهم يعقدون الأمالي، ويملون على طلابهم، إضافة إلى ما يحدثونهم به، وما يجيزونهم به، وما يقرأه الطلاب عليهم أمالي، أمالي هذه تكون عيون ما ينتقونه من رواياتهم، ومن مقروءاتهم ومن مسموعاتهم، فتعقد هذه المجالس التي اندثرت منذ قرون، ولو أن الشيوخ أعادوا هذه المجالس، يعني انقطعت منذ عقود، ثم أعادها الحافظ العراقي ﵀، ثم انقطعت فأعادها الحافظ ابن حجر، ثم السخاوي، ثم السيوطي، والآن اندرست، لكن لو أن الشيوخ من خلال مطالعاتهم وقراءاتهم ومدوناتهم يعقدون مجالس للطلاب، ويملون عليهم هذه التحف، وهذه العيون من المسائل ومن الطرائف والغرائب من أشعار ونثر، ما يبعث الهمم والنشاط في قلوب السامعين، كانت سنة طيبة ومعروفة عند أهل العلم قديمًا، لكن مع الأسف أنه مع انتشار الوسائل يمكن ما يتحمس الطلاب للإملاء، ما يتحمسون للإملاء، فتجد الطلاب لو عقد مجلس إملاء وحضر مجموعة من الطلاب تجد طلاب يكتبون وإلا ما يكتبون؟ يعني واحد منهم يسجل ومنهم يفرغ، ثم تصور، تكتب في أوراق ثم تصور ويتداولونها، ما يكلفون أنفسهم عبء؛ لأنهم وجدوا الراحة، في العصور السابقة قبل وجود هذه الآلات كان لا بد أن تكتب، وإلا ما فيه شيء، ما فيه بديل عن الكتابة، تجد جميع الطلاب يكتبون، فإذا عقد مجلس الإملاء على هذه الصفة، وتعب الشيخ على تحصيل هذه الفوائد، وضرب له يومًا في الأسبوع مثلًا، وكثير من أهل العلم يجعلون يوم الثلاثاء للإملاء، ما أدري إيش السبب؟ ما أدري ما السبب؟ ولعله في كونه منتصف الأسبوع يجعلونه للإملاء، فالطلاب يستمعون ويدونون، وفيه من الأخبار والأشعار ما يطرب لها السامع،
1 / 16
لكن الآن من خلال الدراسات النظامية، ومن خلال حرص طلاب العلم على العلم الشرعي الأصيل تجد عندهم جفاف بالنسبة لما يهتم به المتقدمون من الطرائف العلمية والأدبية، وهذه لا شك أنها نافعة جدًا لطالب العلم، يستجم بها، وينشط بسببها، وينشط غيره بها؛ فالدرس إذا كان الشيخ ملازم كتابه لا يخرج، لا يطلع يمين ولا يسار هذه طرفة أدبية، هذه نكتة تاريخية، هذه عجيبة من العجائب، هذه حادثة غريبة تجد الطلاب كثيرًا منهم ينام، لا شك أن الأصل متين العلم، ومن أجله جلس الشيخ، ومن أجله حضر الطالب، لكن ملح العلم تعين على الاستمرار في تلقي متينه، كما أن النوم يعين على قيام الليل، وكما أن الأكل يعين على بقاء النفس التي يستعملها في طاعة الله، فمثل هذه إذا قصد بها التنشيط على الاستمرار في العلم وطلبه فإن هذا لا شك أنه يثاب عليه، ويكون له حكم المقصد.
"فأملى علينا" بطون الكتب الكبيرة المطولات التي لا يتسنى لأي طالب من طلاب العلم، أو لجميع الطلاب أن يقرؤوا فيها، وإذا قرؤوا في كتاب لم يقرؤوا في آخر، وهكذا فيها من العلوم والكنوز ما لا يمكن الاطلاع عليه، إلا ما كان ديدنه القراءة، وتوسع في القراءة، وتفنن فيها، فمثل هذا المطلع المتفنن الذي دون الفوائد والغرائب والعجائب مثل هذا لو أملى على الطلاب شيئًا ينشطهم، ولو اتخذ طريقة يعني في كل يوم يتحفهم بفائدة أو في غريبة أو طريفة ينشط بها الطلاب، وإلا قد يقول قائل: لماذا لا يجمع هذه الطرائف وهذه الغرائب ويجمعها في كتاب واحد ويطبعه وينتشر ولا حاجة إلى أن يضيع وقت الدرس بهذه الأمور؟ قد يقول قائل مثل هذا، ونقول: نعم يمكن أن يشتريها الطلاب، ويجلسون في بيوتهم، ولا شيء يرغبهم في الدروس، وإذا حضروا الدرس كثير منهم ينام، إذا صار الدرس متين من أوله إلى آخره، هذا الكلام الذي جره مسألة الإملاء، وهي سنة عند أهل العلم اندرست.
1 / 17
"فأملى علينا: سلام عليكم" التنكير تنكير السلام لا شك أنه وارد في النصوص، ولذا يقول أهل العلم: ويخير بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، قالوا سلامًا، قال: سلام، سلام عليكم، سلام على من اتبع على الهدى، التنكير كثير في النصوص، وفيه أيضًا التعريف، السلام علي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، المقصود أن التعريف والتنكير كله وارد بالنسبة للسلام على الحي، أما بالنسبة للسلام على الميت فليس فيه إلا التعريف، وهنا يقول: "سلام عليكم" وبهذا يحصل على عشر حسنات، ولو قال: ورحمة الله وبركاته لحصل على أجر أعظم كما جاء في الأحاديث.
"سلام عليكم فإني" الفاء هذه مع قوله: "أما بعد: عافانا الله وإياكم" تدل على أن الكلام فيه شيء من التقديم والتأخير؛ لأن الفاء تأتي بعد أما بعد وليست قبلها، أما بعد: فإني أحمد إليكم، فهذه الفاء إنما تقع في جواب (أما) وليست قبل أما بعد، مما يدل على أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا.
"فإني أحمد إليكم الله" الأصل أن تكون أما بعد هنا، أما بعد فإني، أو يقول: أما بعد فعافانا الله وإياكم لا بد من الفاء هنا؛ لأنها في جواب أما ولا تحذف، فإذا كانت النسخ تتفق على هذا نشوف الاختلاف كثير جدًا في النسخ، بين النسخ المستقلة لهذه الرسالة، وبين ما نقل عنها في الكتب، فالرسالة نقلت بحذافيرها في بعض الكتب، ووجد اختلاف بين هذه النُقول، لماذا؟ لأنها قديمة، يعني في منتصف القرن الثالث، فهي قديمة، مكانة بهذه المثابة، فهي ليست من الكتب الأصلية التي يتداولها الطلاب، يعني في سنن أبي داود مضبوط ومتقن، وفي صحيح البخاري قبلها مضبوط ومتقن بالروايات، وموطأ مالك كذلك قبلها مضبوط؛ لأن الطلاب بصدد العناية بهذه بالكتب لأنها هي الكتب التي هي همهم واهتمامهم منصب إليها، إما مثل هذه الرسالة وغيرها من الرسائل نعم فيها فائدة، لكن ما هي مثل المقصد، هي وسيلة إلى فهم كتاب، وليست غاية وليست مقصد، ولذا تجدون مثل هذا الاختلاف الكبير تجد مثلًا في الصفحة الواحدة عشرة فروق من الاختلافات بين النسخ.
1 / 18
"فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو" فالبدءاة بالحمد سنة مشروعة، افتتح بها القرآن، والنبي ﵊ كان يفتتح بها الخطب "فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبد ورسوله" ثنى بالصلاة على النبي ﵊، وهكذا ينبغي أن يفعل، فحق الله أعظم، يليه حق الرسول ﵊، وجاء في تفسير قول الله -جل وعلا-: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [(٤) سورة الشرح] عن مجاهد: لا أذكر إلا وتذكر معي ﵊، لا إله إلا الله محمد رسوله الله، في الأذان أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، وليس معنى هذا شيء من المساواة، لا يقتضي هذا شيء من المساواة، فذكر النبي ﵊ في المحاريب مثلًا تجد يذكر في الجهة اليمنى الله، وفي الجهة اليسرى محمد، هل هذا من باب المساواة باعتبارهما على حد سوى؟ هل يقر في القلب مثل هذا؟ أو أن هذا من باب لا أذكر إلا وتذكر معي؟ لأنه هذا يصنع في محاريب المسلمين ويتداولونه، وليس بشيء جديد منذ قرون، الأصل ألا يكتب شيء، هذا الأصل، لكن إذا كتب هل نقول: يمسح لفظ محمد ﵊ لئلا يظن أنه مساوٍ لله -جل وعلا-؛ لأنه كتب بنفس الحجم بنفس الدائرة قطرها واحد، فهل هذا يقتضي المساواة أم نقول: هذا من باب لا أذكر إلا وتذكر معي، والأمر فيه سهل؟
طالب:. . . . . . . . .
في الذكر المشروع.
طالب:. . . . . . . . .
إذًا ولا لفظ الجلالة يكتب.
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا ما أزلنا الجميع هذا ما فيه إشكال، لو لم يكن فيه إلا التشويش على المصلين، هذا يزال ويزال غيره، كل ما يوجد في قبلة المصلى مما يشغل المصلين هذا كله ينبغي أن يزال، لكن إذا وجد؟ هل نقول: يمسح محمد فقط لئلا يتوهم المساواة، أم يمسح الجميع كما هو الأصل، أو يبقى الجميع لا أذكر إلا وتذكر معي؟
طالب: يمسح الجميع.
ما تيسر مسح الجميع، وجد ما يخالف، وترك من باب التأليف والمصلحة الراجحة، هل نقول: على الأقل امسحوا لفظ محمد ﵊، امسحوا اسمه، لئلا يتوهم أنه مساو لله -جل وعلا-؛ لأنه يوجد بعده أيضًا أمور أخرى تكتب.
1 / 19