بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آلة وسلم. باب صلاة العيدين قال القاضي الجليل أبو محمد عبد الوهاب بن علي- ﵀: الأصل في صلاة العيدين قوله ﵎: ﴿فصل لربك وانحر﴾؛ قاله سعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وغيرهم. واختلف في تأويل قوله ﷿: ﴿وانحر﴾؛ فروي عن علي وابن عباس أن المراد بذلك وضع اليد في الصلاة، وروى أيضا عن الشعبي وأبي الجوزاء. قال أكثر التابعين: إن المراد به نحر البدن وغيرها يوم النحر.

1 / 13

وقوله تعالى: ﴿قد أفلح من تزكى* وذكر اسم ربه فصلى﴾. قيل: معناه: أخرج زكاة الفطر، ثم غدا إلى المصلى لصلاة العيد. وروى حماد عن حميد عن أنس بن مالك قال: قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ ". قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: "قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما؛ يوم الأضحى، ويوم الفطر". ومعنى العيد في اللغة: هو الوقت الذي يعود فيه الفرح والسرور والحزن. قال الشاعر: عاد قلبي من المليحة عيد ... واعتراني من حبها تسهيد

1 / 14

أي: عاد بشوقي [مرة أخرى]. مسألة قال ﵀: وصلاة العيد سنة واجبة. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي-﵀: يريد أنها من مؤكدات السنن؛ لأن رسول الله ﷺ صلاها، ودعا الناس، وجمع لها، وخطب لها؛ فوجب بذلك كونها سنة مؤكدة. وحكى عن بعض [أصحاب] الشافعي أنها فرض على الكفاية واستدلاله أن قال: لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة؛ فوجب أن تكون فرضا على الكفاية كالجهاد. ولأنها صلاة تجتمع على تكبيرات متواليات في القيام؛ فكذلك فرضا على الكفاية؛ اعتبار بصلاة الجنازة. وهذا غير صحيح. والذي يدل على ما قلناه أنها صلاة تشتمل على ركوع وسجود، وليس من سنتها الأذان بوجه؛ فوجب أن تكون نافلة غير فرض الكفاية، ولا على الأعيان. أصله: سائر النوافل. وإنما قيدناها بذكر الركوع والسجود؛ احترازا من صلاة الجنازة، ومن الطواف. وإنما قلنا: ليس من سنتها لأذان؛ احترازا من صلاة الفائتة.

1 / 15

ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود ليست بفرض على الأعيان؛ فوجب ألا تكون واجبة على الكفاية كسائر النوافل. وإذا ثبت هذا فقياسهم الأول ينتقض بصلاة الكسوف والاستسقاء؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة. وقولهم أنها ذات تكبيرات في القيام غير مسلم في الأصل الذي هو صلاة الجنازة؛ لأنها تحتاج إلى الدعاء بين كل تكبيرتين، وليس كذلك التكبير في صلاة العيد؛ لأنه ليس بين التكبيرتين قول من دعاء ولا غيره، لا واجب ولا مسنون، والله أعلم. مسألة قال: ويهرج لها الإمام والناس ضحوة قدر ما إذا وصل حانت الصلاة. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي- ﵀: هذا لأن وقتها إذا برزت الشمس وأشرقت؛ لأن ذلك هو الوقت الذي كان يصليها فيه النبي ﷺ والخلفاء بعده ﵃. قال مالك" بلغني أن سعيد بن المسيب يغدو إلى المصلى بعد أن يصلي الصبح. وهذا يترتب على حسب المسافة وبعدها من الموضع الذي يمضي منه إلى المصلى فعمل في البكور والإصباح على حسب ذلك.

1 / 16

مسألة قال ﵀: وليست فيها أذان، ولا إقامة. قال القاضي: أبو محمد عبد الوهاب بن علي- ﵀: وهذا لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار، ولا في الصدر الأول. وحكى عن أبي قلابة أن أول من أبدع الأذان في العيدين عبد الله بن الزبير. وعن سعيد بن المسيب أن أول من فعل ذلك معاوية. والذي يبين ما قلناه ما رواه ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن النبي ﷺ صلى العيدين بلا أذان ولا إقامة. وروى الأحوص عن [سماك] بن حرب عن جابر بن سمرة قال/ صليت مع رسول الله ﷺ غير مرة ولا مرتين العيد بغير أذان ولا إقامة. وروى سالم بن عبد الله عن أبيه قال: خرج رسول الله ﷺ في يوم [عيد فبدأ] فصلى بغير أذان ولا إقامة، ثم خطب.

1 / 17