Commentaire sur le Nahj al-Balagha
شرح نهج البلاغة
Chercheur
محمد عبد الكريم النمري
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
1418 AH
Lieu d'édition
بيروت
واعلم أن الناس اختلفوا في ابتداء خلق البشر كيف كان ، فذهب أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى إلى أن مبدأ البشر هو آدم ، الأب الأول عليه السلام . وأكثر ما في القرآن العزيز من قصة آدم مطابق لما في التوراة . وذهب طوائف من الناس إلى غير ذلك : أما الفلاسفة ، فإنهم زعموا أنه لا أول لنوع البشر ولا لغيرهم من الأنواع .
وأما الهند ، فمن كان منهم على رأي الفلاسفة فقوله ما ذكرناه . ومن لم يكن منهم على رأي الفلاسفة ويقول بحدوث الأجسام لا يثبت آدم ، ويقول : إن الله تعالى خلق الأفلاك وخلق فيها طباعا محركة لها بذاتها ، فلما تحركت - وحشوها أجسام لاستحالة الخلاء - كانت تلك الأجسام على طبيعة واحدة ، فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية ، فكان القريب من الفلك المتحرك أسخن وألطف ، والبعيد أبرد وأكثف . ثم اختلطت العناصر ، وتكونت منها المركبات ، ومنها تكون نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة واللحم ، والبق في البطائح والمواضع العفنة ، ثم تكون بعض البشر من بعض التوالد ، وصار ذلك قانونا مستمرا ، ونسي التخليق الأول الذي كان بالتولد . ومن الممكن أن يكون بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقا بالتولد ، وإنما انقطع التولد ، لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون طريقا استغنت به عن طريق ثان .
وأما المجوس فلا يعرفون آدم ، ولا نوحا ، ولا ساما ، ولا حاما ، ولا يافث ، وأول متكون عندهم من البشر البشري المسمى كيومرث ، ولفبه كوشاه : أي ملك الجبل ، لأن كو هو الجبل بالفهلوية ، وكان هذا البشر في الجبال . ومنهم من يسميه كلشاه أي ملك الطين ، وكل : اسم الطين ، لأنه لم يكن حينئذ بشر ليملكهم .
وقيل : تفسير كيومرث : حي ناطق ميت . قالوا : وكان قد رزق من الحسن ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وبهت وأغمي عليه ، ويزعمون أن مبدأ تكونه وحدوثه أن يزدان - وهو الصانع الأول - عندهم - أفكر في أمر أهرمن ، - وهو الشيطان عندهم - فكرة أوجبت أن عرق جبينه ، فمسح العرق ورمى به ، فصار منه كيومرث . ولهم خبط طويل في كيفية تكون أهرمن من فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه ، أو من توحشه ، وبينهم خلاف في قدم أهرمن ، وحدوثه لا يليق شرحه بهذا الموضع .
ثم اختلفوا في مدة بقاء كيومرث في الوجود ، فقال الأكثرون : ثلاثون سنة . وقال الأقلون : أربعون سنة ، وقال قوم منهم : إن كيومرث مكث في الجنة التي في السماء ثلاثة آلاف سنة ، وهي : ألف الحمل ، وألف الثور ، وألف الجوزاء . ثم أهبط إلى الأرض فكان بها آمنا مطمئنا ثلاثة آلاف سنة أخرى ، وهي : ألف السرطان ، وألف الأسد ، وألف السنبلة .
ثم مكث بعد ذلك ثلاثين أو أربعين سنة في حرب وخصام بينه وبين أهرمن حتى هلك .
Page 69