Commentaire sur le Nahj al-Balagha
شرح نهج البلاغة
Enquêteur
محمد عبد الكريم النمري
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
1418 AH
Lieu d'édition
بيروت
ونحن من بعد نذكر ما قاله المرتضى رحمه الله تعالى في كتاب الشافي لما تكلم في هذا الموضع ، قال : أما ما ادعى من العلم الضروري برضا عمر ببيعة أبي بكر وإمامته ، فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنه كان راضيا بإمامته ، وليس كل من رضي شيئا كان متدينا به ، معتقدا لصوابه ؛ فإن كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هو أضر منها ، وإن كانوا لا يرونها صوابا ، ولو ملكوه الاختيار لاختار غيرها ، وقد علمنا أن معاوية كان راضيا ببيعة يزيد وولاية العهد له من بعده ، ولم يكن متدينا بذلك ومعتقدا صحته ، وإنما رضي عمر ببيعة أبي بكر ، من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولو ملك الاختيار لكان مصير الأمر إليه أسر في نفسه ، وأقر لعينه . وإن ادعى أن المعلوم ضرورة تدين عمر بإمامة أبي بكر ، وأنه أولى بالإمامة منه ، فهذا مدفوع أشد دفع ، مع أنه قد كان يبدر من عمر في وقت بعد آخر ما يدل على ما أوردناه . روى الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني عن سعيد بن جبير ، قال : ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر ، فقال رجل : كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها ، فقال ابن عمر : وما يدرك ؟ قال الرجل : أو ليس قد ائتلفا ! قال ابن عمر : بل اختلفا لو كنتم تعلمون ! أشهد أني كنت عند أبي يوما ، وقد أمرني أن أحبس الناس عنه ، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر : دويبة سوء ، ولهو خير من أبيه ، فأوحشني ذلك منه ، فقلت : يا أبت ، عبد الرحمن خير من أبيه ! فقال : ومن ليس بخير من أبيه لا أم لك ! ائذن لعبد الرحمن ، فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه - وقد كان عمر حبسه في شعر قاله - فقال عمر : إن الحطيئة أودا فدعني أقومه بطول حبسه ، فألح عليه عبد الرحمن وأبى عمر ، فخرج عبد الرحمن ، فأقبل علي وقال : أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بني تميم علي وظلمه لي ! فقلت : - لا علم لي بما كان من ذلك ، قال : يا بني فما عسيت أن تعلم ؟ فقلت : والله لهو أحب الناس من ضياء أبصارهم ، قال : إن ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه ، قلت : يا أبت ، أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم ؟ قال : وكيف لي بذلك مع ما ذكرت أنه أحب الناس من ضياء أبصارهم ! إذن يرضخ رأس أبيك بالجندل . قال ابن عمر : ثم تجاسر والله فجسر ، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس ، فقال : أيها الناس ؛ إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه . وروى الهيثم بن عدي ، عن مجالد بن سعيد ، قال : غدوت يوما إلى الشعبي وأنا أريد أن أسأله عن شيء بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله ، فأتيته وهو في مسجد حيه وفي المسجد قوم ينتظرونه ، فخرج فتعرفت إليه ، وقلت : أصلحك الله ! كان ابن مسعود يقول : ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ، قال : نعم ، كان ابن مسعود يقول ذلك ، وكان ابن عباس يقوله أيضا - وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها ، ويصرفها عن غيرهم - فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد ، فجلس إلينا ، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر ، فضحك الشعبي وقال : لقد كان في صدر عمر ضب على أبي بكر ، فقال الأزدي : والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل ، ولا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر ، فأقبل علي الشعبي وقال : هذا مما سألت عنه ، ثم أقبل على الرجل وقال : يا أخا الأزد ، فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها ! أترى عدوا يقول في عدو يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر ! فقال الرجل : سبحان الله ! أنت تقول ذلك يا أبا عمرو ! فقال الشعبي : أنا أقوله ، قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد ، فلمه أو دع . فنهض الرجل مغضبا وهو يهمهم في الكلام بشيء لم أفهمه . قال مجالد : فقلت للشعبي : ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم ! قال : إذن والله لا أحفل به ، وشيء لم يحفل به عمر حين قام على رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار أحفل به أنا ! أذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا لكم .
Page 18