Explication des Difficultés de la Poésie d'Al-Mutanabbi
شرح المشكل من شعر المتنبي
وقيل: جعلها حمراء، لان سيف الدولة بناها بحجر أحمر، ولم يك قبل ذلك.
يقول: فهل تعرف هذه القلعة أن بناءها الحديث غير بنائها القديم؟ وكذلك بلت هذه السيوف هذه المدينة بالدم، كما يبُل - السحابُ الارض بالمطر فهل تعرف أن الغمام سقاها الآن أو السيوف؟ وقد بين ذلك بقوله بعد هذا:
) سقتها الغمامُ الغُر قبل نُزُولهِ ... فلما دَنا منها سقتها الجماحمُ (
اي سقاها السحاب قبل نزول سيف الدولة بها، فلما دنا منها قتل من كان بها من الروم، فسفتها السيوف بدمائهم.
) وَكان بها مثلُ الجُنُون فأصبحتْ ... ومن جُثثِ القتلى عليها تمائمُ (
التمائم: العُوذ، وهي تُناط بمن كان به مَرَضَ أو جنون أو سحر.
فيقول: كانت هذه القلعة مضطربة غير مطمئمة ولا مستقرة بمن غلب عليا من الروم، حتى كان بها من ذلك مثل الجُنون، لان المجنون يخالطه اضطراب وقلة ثبات، ولذك قيل له:) الأولق (. لان الولْق: سرعة الطعن والمشي، وهذا فيمن أخذه من ذلك، فجعله) أفعل (.
فأما سيبويه، فهو عنده) فوغل (بديل) مألُوق (فلما وردها سيف الدولة فقَتل من تغلب عليها، استقرت واطمأنت، فكانت جثث القتلى عليها تمائم أوجبت لها الاستقرار والطمأنينة.
) وَقد حاكَمُوها والمنايا حَواكٌم ... فلما مات مظلُومٌ ولا عاش ظالُم (
أثبت حكمًا من حيث أثبت ظلمًا، لان الظلم جورٌ، والجور نوع من الحكم، ضد العدل، فحاكموا هذه القلعة. والسيوف حواكم: اي هُن ذوات الحكم على المتحاكمين عليها، وكان الظلم من قبل الروم لهذه المدينة، بهدمهم إياها، وإخلائهم لها، فلما كان الحُكم للسيوف، مات الظلم بقتل هؤلاء الروم الظالمين.
) فما مات مظلُوم (: يعني القلعة، اي لم يعفُ أثرهُا، بل جُدد بناؤها، وزيدت تحصينًا.) ولا عاش ظالمُ (: اي لم يعش الروم الذين هدموُها، بل قتلهم سيف الدولة.
) تَقَطّعَ مالا يَقطعُ والقنا ... وفر من الفُرسان من لايُصادمُ (
اي ما كان من السيوف قاطعًا للدرع وللابسها بقي وما لم يبلغ من الحدة والشدة أن يقكعهما، تقطع وفنى، وذلك لشدة ما كان هنالك من الضرب. ومن كان من الفُرسان غير مزاحم ولا مصادِم لم يَثبت. يذهب في كل ذلك إلى أنه لم يبق إلا الجيدُ الصابر على الكفِاح من الرجال والسلاح ألا تراه يقول:
ولله وقتٌ أذهبَ الغش نارُه ... فلم يبق إلا صارمٌ أو ضبارمُ
) تجاوزت مقدار الشجاعة والنُهي ... إلى قول قوم أنت بالغيب عالم (
اي أن أناسًا من الحُذاق لما رأوا إقدامك، وإعمالَك رُمْحك وحُسامًك، يُبيحان لك سلامة الحَوْباء، والظفر أبدًا بالأعداء، قالوا إنه لا يقتحم ذلك إلا بعد ما ظل عالمًا، أنه لا يئُوب إلا سالمًا غانمًا. فَحَلَتْ عندهم بذلك عالم غيب، مُتقفيا للعواقب غير ذي ريب وهذا أرفع من منزلة الشجاعة والتدبير.
) تظُنُ فراخُ الفُتح أنك زُرتها ... بأماتها وهي العتاقُ الصلادمُ (
اي أن خيالك صعدت الجبال حتى انتهت إلى أعاليها، وهناك وكُورُ العقبان. فلما أشرفت لى تلك الوكور جَمْجَمْتَ، والجمجمة تشبه صَرْصَرة عتاق الخيل، ظنتها فراخُ العقبان أمهاتها. ومما يدلُك على أن الجمجمة تشبه الصرصرة قول الشاعر:
إذا الخيلُ صات صياح النسور ... هززنا مَراسفها بالجذمْ
وعنى بالفُتح: العقبان. أقام الصفة مُقام الموصوف، لأنها صفةٌ غالبة، تقوم مقام الاسم. وإنما العُقاب فتخاء، للين جناحها. والفَتَحُ: اللين، والصلادم: شداد الخيل: صِلدِم وصِلْدِمة.
) أفى كل يوم ذا الدُمُستُقُ مُقدمٌ ... قفاهُ على الإقدام للوجهِ لائمُ (
اي إن هذا الدمستق في كل يوم يُقدم فيُهزم، ويحُجم فَيسلم وجههُ، ويُضرب قفاه، فالقفا يلُوم الوجه على الإقدام. يقول له: كم تتوجه إلى من قد علمت أنه لك هازمٌ، فتسلمُ أنت، ويهونُ عليك ما ألقاه إذا سلمت أنت. وأراد قفاهُ لائمُ لوجهه على الإقدام فقال:) للوجه (، لأن إضافة القفا غليه تشعر أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه.
) بضربٍ أتى الهاماتِ والنصرُ غائبٌ ... وَصار إلى اللبلتِ والنصرُ قادمُ (
1 / 71