Sharh Mukhtasar Al-Sarim Al-Maslul - Muhammad Hasan Abd Al-Ghaffar
شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار
Genres
قصة ابن أبي السرح وإهدار رسول الله لدمه
كذلك من السنة التي تدل على أن الذي يؤذي رسول الله ﷺ بالتنقص من قدره ومقامه يكفر: ما حدث في غزوة حنين -وهذا الحديث أيضًا فيه ضعف- ففي غزوة حنين أيضًا: (قام رجل إلى النبي ﷺ عندما أعطاه فقال له: لا أحسنت ولا أجملت)، وفي رواية قال: (ولا عدلت) يعني: لا عدلت في قسمة الغنائم.
(فأهدر النبي ﷺ دمه)؛ لأنه وقع في رسول الله ﷺ، وهذه واضحة الدلالة وأنا لم أذكرها أولًا لضعفها، فجئنا بها استئناسًا.
كذلك فمن الأدلة من السنة: قصة ابن أبي السرح، وهذا قصته عجيبة فـ ابن أبي السرح قريب لـ عثمان بن عفان كان قد أسلم، وكان يكتب لرسول الله ﷺ الوحي، وكان النبي ﷺ ينزل عليه القرآن على سبعة أحرف، فكان يقول له: اكتب: تبينوا، فيكتب في الآية: تثبتوا، وهي تقرأ تبينوا، وتقرأ تثبتوا، ويقول اكتب: سميعًا عليمًا، فيكتب: سميعًا بصيرًا، فكان يكتب ذلك ويكتم هذه الكتابة، ثم بعد ذلك ارتد عن دين الله جل في علاه -نعوذ بالله من الخذلان- وبعدما ارتد قال: والله لا يدري محمد ما أكتب، فأنا الذي أكتب له هذا، فأدخل على الآيات ما لا يعرفه محمد، فكان يأمره أن يكتب مثلًا: سميعًا عليمًا فيكتبها: سميعًا بصيرًا، ولذا زعم لقريش أن محمدًا لا يدري ما يقول، يقول: وكنت أدخل عليه بعض الكلام كأنه يلقن النبي ﷺ فيتلقن - حاشا لله! - وهذا انتقاص من قدر رسول الله، لكن كيف يكون هذا انتقاصًا من قدر رسول الله ﷺ؟! هذا فيه انتقاص للنبي ﷺ من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: فيه تكذيب لرسول الله ﷺ فهو عندما يقول: أنا الذي أكتب والنبي ﷺ يقول: (اكتب والله! ما يخرج منه -أي: فيه- إلا الحق والصدق).
وقال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣ - ٤]، وكان النبي ﷺ ينتظر الوحي في كل سكناته وحركاته وكلماته، فمعنى قوله: أنا أدخل عليه أو أكتب له فيتلو على الناس ما أدخلته عليه، دليل على أنه ليس بوحي، فكأنه يعرض بأن الرسول ﷺ كذاب، حاشا لله وحاشا لرسوله ﷺ بأبي هو وأمي.
الوجه الثاني: التشكيك في حفظ النبي ﷺ، فكأنه إذا جاءه الوحي لم يضبطه وضبطه الثاني فأكمل.
الثالث: يستلزم من ذلك نفي نبوة النبي ﷺ.
فهذه ثلاثة وجوه فيها تنقيص لرسول الله ﷺ، فلذلك أهدر النبي دمه وأمر بقتله، فلما دخل رسول الله ﷺ بأبي هو وأمي مكة وعلى رأسه المغفر أمر بقتل ابن أبي السرح، لكن ابن أبي السرح كان ذكيًا فذهب إلى عثمان ﵁ وأرضاه وكان قريبًا له، فجاء عثمان يستشفع، انظروا إلى هذه القصة الرائعة التي تبين لكم أن النبي ﷺ إذا أهدر دم أحد لا يرجع فيه، ومع ذلك وفاؤه يمنعه من أن يقتل، فقد دخل عثمان ليشفع لـ ابن أبي السرح ويقول: يا رسول الله بايع ابن أبي السرح والنبي ﷺ يعرض عنه، فهو لا يريد المبايعة، فيقف عثمان ملحًا على رسول الله والرسول ﷺ يعرض عن ابن أبي السرح ولا يريد أن يبايعه؛ لأنه فعل أمرًا فيه منقصة لرسول الله ﷺ وهدم لشرع الله جل في علاه، وهدم لدين الإسلام كلية، ولذا نحن نقول: طلبة العلم الذين يرفعون شعار الدين وينشرونه بين الناس الغيبة فيهم أشد بكثير من الغيبة في عوام الناس؛ لأن الغيبة في العلماء معناه أن تسقط قدر العلماء بين العامة فيسقط الشرع بذلك؛ لأنهم حملة الشرع، فما بالكم بالذي أتى بالشرع نفسه؟ فإن الانتقاص من قدره انتقاص من كلية الشرع، فلذلك ما أراد النبي ﷺ أن يبايع ابن أبي السرح حتى ألح عليه عثمان وجاءه ابن أبي السرح فبايعه النبي ﷺ، لكن بعدما بايعه عاتب صحابته الكرام فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد؟ أما قام أحدكم ليقتله؟!) فانظروا النبي ﷺ الذي وصفه الله جل في علاه أنه بالمؤمنين رءوف رحيم ما أراد أن يرحم ابن أبي السرح، وأراد قتله، لأن هذا قد كتب في اللوح المحفوظ، لكن لم يفقه الصحابة ذلك، وقد قدر الله كونًا أن يعفى عن ابن أبي السرح، ولعل في قلبه من الإيمان شيء، فقبله الله جل في علاه وما استفاق أحد من الصحابة ليقتله؛ ولذلك عاتبهم الرسول ﷺ بلهجة شديدة قال: (أما كان فيكم من رجل رشيد يقوم فيقتله عندما رآني لا أبايعه؟ قالوا: يا رسول الله! لو أومأت لنا).
يعني: غمزت بعينيك.
فقال: (ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) وهذه أمانة ليس بعدها أمانة لهؤلاء المغفلين الذين يقدحون في رسول الله ﷺ، فقال: (ما كان لرسول أن تكون له خائنة أعين).
فكتب الله وقدر كونًا أن يحيا هذا الرجل على الإسلام، ويموت على الإسلام، فالحمد الله الذي أنجاه الله من نار جهنم.
4 / 11