Sharh Mukhtasar Al-Sarim Al-Maslul - Muhammad Hasan Abd Al-Ghaffar
شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار
Genres
مسألة الطلاق في الحيض
نأتي إلى مسألة: الطلاق في الحيض، فشيخ الإسلام ابن تيمية خالف فيها الجمهور، وقال: الطلاق في الحيض لا يقع ولا يعتد به، فمن طلق امرأته حائضًا فإن هذه التطليقة لا تحسب وامرأته كما هي في ذمته، واستدل على ذلك بأدلة منها: أولًا: رواية ابن عمر وهذه في السنن: (لما طلق ابن عمر امرأته وهي حائض ذهب عمر للنبي ﷺ فأخبره بما صنع ابنه عبد الله، فقال ﷺ: مره فليراجعها، فقال ابن عمر: لم يرها شيئًا) أي: أن النبي ﷺ لم ير هذه التطليقة شيئًا، يعني: لا تحسب، قالوا: فهذا دليل أثري، ومن الدليل الأثري أيضًا: قول النبي ﷺ في الصحيحين: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: باطل، قالوا: القاعدة عند العلماء: مطلق النهي يقتضي الفساد أو البطلان، وقالوا: قد نهى النبي ﷺ عن الطلاق في الحيض والنهي واضح، فمن ارتكب هذا النهي وطلق طلاقًا منهيًا عنه، فلا يقع ولا يصح؛ لقول النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: فهو باطل مردود.
أما الجمهور فلهم الأدلة الأثرية والنظرية: أما الأدلة الأثرية: فالحديث الذي في الصحيحين عن ابن عمر ﵁ وأرضاه (لما طلق امرأته في الحيض وأخبر عمر النبي ﷺ بذلك فقال: مره فليراجعها)، قالوا: المراجعة لا تكون إلا بعد الطلاق.
قالوا: والدليل الثاني أيضًا: قول نافع عن ابن عمر في نفس الحديث المتفق عليه أنه قال: (أمر النبي ﷺ عمر أن يأمر ابن عمر أن يراجع امرأته وقال: فحسبها عليّ تطليقة)، قال ابن عمر: (فحسبها) وهذا نص في النزاع.
فحسبها يعني: رسول الله علي تطليقة.
الدليل الثالث: قاعدة الراوي أعلم بما روى: فـ ابن عمر جاءه رجل فقال: (أرأيت يا ابن عمر! إن كانت امرأتي حائضًا فطلقتها؟ قال: أرأيت إن ركبت الحموقة؟ هي طالق) فأفتى ابن عمر بطلاق المرأة في الحيض.
إذًا: فهذه الأدلة واضحة على: أن الطلاق في الحيض يقع.
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية انبرى وخالف الجمهور وقال: الطلاق في الحيض لا يقع، وأصل هذه المسألة نابعة من المجد الذي هو جد ابن تيمية فقد كان يفتي بهذه الفتوى سرًا؛ لأنه يخشى أن تطير رقبته؛ لأن المذاهب الأربعة كانت على خلافه، فكان يخشى على نفسه إذا أفتى أن يقتلوه، فكان يفتي بها سرًا، فشيخ الإسلام ابن تيمية أعلنها جراءة وراجعوه فيها كثيرًا.
فقال: والله إن هذا الذي أدين الله به.
وأقول: الحق هنا ليس مع ابن تيمية وإنما الحق مع الجمهور؛ لأن الحديث متفق عليه عند البخاري ومسلم قال: (فحسبها علي تطليقة).
وأما الرد على ما استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية فهو من وجوه كثيرة منها: أولًا: قوله في الحديث (فلم يرها شيئًا) الصحيح أن هذه الرواية شاذة عند المحدثين، وإن صححها الشيخ أحمد شاكر لأنها خالفت ما في الصحيحين، فهذه اللفظة شاذة، والشاذ ضعيف، فلا حجة لهم فيها.
والوجه الثاني: أن قوله: (لم يرها شيئًا) تحتمل أمورًا كثيرة منها: أولًا: لم يرها من العدة شيئًا، يعني: العدة إما الأطهار وإما الحيض، والراجح الصحيح: أن العدة: الحيض؛ لأن النبي ﷺ بين ذلك وقال: (تترك الصلاة أيام أقرائها) يعني: أيام حيضها، فهي تترك الصلاة أيام الحيض، فهنا نرجح أن العدة هي أيام الحيض.
فمعنى قوله: لم ير شيئًا من العدة يعني: هذا الدم الذي نزل لا يحسب من أيام العدة ولا يحسب من الحيضات الثلاث المطلوبة حتى تمر عدتها.
الثاني: لم يرها من السنة شيئًا، وهذا صحيح فهي مخالفة للسنة؛ لأن النبي ﷺ أنكر على ابن عمر أنه طلق امرأته في الحيض فلم يرها من السنة شيئًا، وهذا راجح صحيح.
فإذًا: الرد على هذه اللفظة إن لم تكن شاذة أنه لم يرها من السنة ولم يرها من العدة شيئًا.
والقاعدة عند العلماء: ما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدال -الاحتمال المعتبر لا الاحتمال المتوهم-.
أما الدليل الذي استدل به شيخ الإسلام على عدم وقوع الطلاق في زمن الحيض فهو: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا) نقول: قد طلق طلاقًا عليه أمرنا في زمن ليس عليه أمرنا، فطلاقه صحيح؛ لأنه طابق الشرع، وفي زمن لم يطابق فيه الشرع فأثم بذلك، فهذا الرد الأول.
الأمر الثاني: أن النبي ﷺ لم يجعل الزمن ركنًا ولا شرطًا لا في طلاق ولا في نكاح، ولذلك نحن نقول: المرأة الحائض يصح أن يعقد عليها، ويصح أن يدخل بها زوجها، لكن لا يجامعها في فرجها.
فنقول: هذا الجماع أو الحيض ليس شرطًا ولا ركنًا لا في العقد ولا في الطلاق فإذًا: لا تأثير له في الحكم على العقد.
فهذا الرد على الدليل الثاني وبهذا تسلم أدلة الجمهور ويصح أن نقول: إن الحق مع الجمهور في هذه المسألة، وأن الطلاق في الحيض يقع ويأثم المطلق في الحيض.
1 / 10