١٠٧ - وعنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» رواه أحمد، وأبو داود [١٠٧].
١٠٨ - وعن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم» رواه أبو داود [١٠٨].
ــ
الحديث الثالث عشر عن ابن عمر ﵁: قوله: «القدرية مجوس هذه الأمة» هذا التركيب من باب قولهم: «القلم أحد اللسانين» كما مر في حديث عائشة ﵂ «عصفور من عصافير الجنة». ولفظ «هذه» إشارة إلى تعظيم المشار إليه، وإلى النعي إلى القدرية، والتعجب منهم، أن انظروا إلى هؤلاء، كيف امتازوا من هذه الأمة المكرمة بهذه الهيئة الشنيعة حيث نزلوا من أوج تلك المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذالة. وخص النهي عن حقوق المسلمين على المسلمين بهاتين الخصلتين، لأنهما ألزم وأولى، وذلك أن المرض والموت حالتنا مفتقرتان إلى الدعاء له بالصحة، والصلاة عليه بالمغفرة.
«تو»: إنما قال لهم «مجوس هذه الأمة»؛ لأنهم أحدثوا في الإسلام مذهبًا يضاهي مذهب المجوس من وجه، وهو أن المجوس يضيفون الكوائن في دعواهم الباطلة إلى إلهين اثنين يسمون أحدهما يزدان، والآخر أهرمن، ويزعمون أن يزدان يأتي منه الخير والسرور وأن أهرمن يأتي منه الغم والشرور، ويقولون ذلك في الأحداث والأعيان، فيضاهي قولهم الباطل في إضافة الخير إلى الله، وإضافة الشر إلى غيره، (مذهب المجوس) غير أن القدرية يقولون ذلك في الأحداث دون الأعيان.
أقول: هذا تقرير كلام الخطابي، ومذهب المعتزلة بخلاف ذلك، قال الزمخشري في «كتاب المنهاج»: فإن قلت: الحسنة والسيئة من الله أم من العبد؟ قلت: الحسنة التي هي الخصب ﴿والسعة من الله﴾ والصحة من الله، وأما الطاعات فمن العبد، ولكن الله قد لطف به في أدائها وبعثه عليها، والسيئة التي هي [الخطب والقحط] والمرض من الله تعالى، وهو صواب وحكمة، وأما المعصية فمن العبد، والله تعالى بريء منها.
الحديث الرابع عشر عن عمر ﵁: قوله: «ولا تفاتحوهم» الفتاحة – بضم الفاء وكسرها – الحكم، قال الله ﷾: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وأَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ﴾ أي احكم، وقيل: لا تبتدءوهم بالمجادلة والمناظرة، و«لا تفاتحوهم» وهو من (باب) عطف الخاص على العام؛ لأن المجالسة تشتمل على المؤاكلة، والمؤانسة، والمحادثة