شرح مصابيح السنة للإمام البغوي
تأليف
المحدث الفقيه ابن الملك الرومي محمد بن عبد اللطيف بن عبد العزيز الكرماني الرومي الحنفي
المتوفى سنة ٨٥٤ هـ - رحمه الله تعالى -
تحقيق ودراسة
لجنة مختصة من المحققين
بإشراف
نور الدين طالب
إدارة الثقافة الإسلامية
جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى ١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م رقم الإيداع (٣٠/ ٢٠١٢)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى ١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م رقم الإيداع (٣٠/ ٢٠١٢)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
Page inconnue
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يھده والله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن الإمام محمد بن الإمام عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز، الرُّومي، الكَرْمانيّ، الحنفي، المشهور بـ (ابن الملك)، والمتوفى سنة (٨٥٤ هـ)، كان إمامًا وفقيهًا حَنفيًا ضالعًا بمذهبه، وكان ذا معرفة بعلوم اللغة والحديث، وقد ظهر ذلك جليا في مؤلفاته التي ترکها، ومنها کتابه: «شرح مصابيح السنة»، والذي اشتمل علي شرح غالب مادّة أحاديث مصابيح السنة للإمام البغوي، والتي
مقدمة / 1
قارَبَت الخمسةَ آلافِ حديث.
فقد عُنِيَ فيه ﵀ ببيانِ الألفاظِ، وحَلِّ الإشكالات، وبَثَّ فيه فقه الأئمة الأربعةِ، خُصوصًا فقه الإمامِ أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى.
فجاء شرحًا لَطيفًا، لخَّصَ فيه كلامَ الشُّرَّاح قبلَه؛ كالإمامِ البَغَوِيِّ والطيْبِيِّ والتُّوْرِبِشْتيِّ والمُظْهِرِيِّ وزَينِ العَرَب في كلامهم على "مصابيح السنة"، وأفادَ مما كَتَبه والدُه الإمامُ عبدُ اللطيفِ على "مشارق الأنوار" للصَّغَاني، فأجادَ ﵀ في التَّلخيص، وأَبدعَ في التقريبِ والتَّيسيرِ وجَمعِ الفوائدِ المُتناثرةِ في بُطُون تلك الكتب.
وقد أفادَ من هذا الشرح كثيرًا العلامةُ مُلاَّ علي القَارِي في كتابه: "مرقاة المفاتيح في شرح مِشْكاة المصابيح".
هذا، وقد قامَتْ لجنة علميَّة مختصَّة مِنَ المحقِّقين في دار النَّوادر بإشرافِ الشَّيخ نورِ الدِّين طالب بتحقيقِ هذا السِّفْرِ تَحقيقًا عِلميًا مُتميزًا مِنْ عنايةٍ خاصَّةٍ بضبطِ النَّصِّ، معتمدِينَ في نشرِه على أربعِ نسُخٍ خَطيَّةٍ.
مقدمة / 2
كما حُفَّ إصدارُه بجَودَةِ التَّنضيدِ والإِخْراجِ والطباعةِ، مع التَّنْويهِ بجهودِهم المَشْكورةِ في نشرِ شُروحِ مصابيحِ السُّنَّة التي تصدُرُ لأوَّلِ مَرَّةٍ إلى عالم المَطْبوعات، فجزاهم اللهُ على حُسْنِ صَنِيعهم خيرَ الجزاءِ، وأثابهم خيرَ العَطَاء.
وإنَّ إدارةَ الثقافةِ الإِسْلامية، إذ يَسُرُّها أنْ تَزُفَّ هذا الكتابَ النَّفِيسَ إلى رُوَّامِ العلمِ ومُحبِّيه، تأمَلُ مِنَ اللهِ أنْ يكونَ عَملُها مُتقبلًا، وتَدعوه سبحانه أنْ يبارِكَ جهودَها في نشرِ الإِرثِ الثَّمينِ مِنْ تراثِ الأمَّةِ الإسلامية، لِما يُسْهِمُ في رِفْعة الأمَّة وعُلُوِّ مَكانتها، وأَنْ يوفِّقَها للكثيرِ الطَّيِّبِ مِنْ ذلك، إنَّه سبحانه نعمَ المَولى ونعمَ النَّصير.
إدارة الثقافة الإسلامية
مقدمة / 3
مَوْسُوعَةُ شُرُوْحِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
المُشْرِفُ العَام
نُوْرُ الدِّيْن طَالِب
اللَّجْنَةُ العِلْمِيَّةُ الَّتِي شَارَكَتْ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الكِتَابِ
- محمد خَلُّوف العبد الله
- توفيق محمود تكلة
- ياسِيْن عَبد الله حمبول
- محمَّد عَبد الحليم بَعَّاج
- عَلاء الدِّين بَدْرَان
- جَمال عَبد الرحيم الفارس
مقدمة / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيق
الحمدُ لله منزلِ الشرائعِ والأحكام، وجاعلِ سنةَ نبيِّه ﷺ مبينةً للحلال والحرام، والهادي من اتبعَ رضوانَه سُبلَ السّلام.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، شهادةَ تحقيقِ على الدوام.
وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه رحمة للأنام، وعلى آله وصحبِه الكرام.
أمّا بعد:
فإنَّ الله - جل وعلا - قد هيَّأ لهذه الأمةِ علماءَ ربَّانيين، حَفِظوا حديثَ نبيِّه محمدٍ ﷺ في دواوين ألفوها في السُّنن والأحكام، والحلال والحرام، وما جاء عنه ﷺ في فضائل الأعمال ونَفَائسِ الأحوال الداعيةِ إلى طُرق الخيرِ وسُبُل الرشاد، وما دعا إليه من مكارم الأخلاقِ ومحاسنِ الآداب.
وكان كتابُ "مصابيح السُّنة" للإمام محيي السنة، شيخِ الإسلام البَغَويِّ أجمعَ كتابٍ صُنَّف في بابه، وأضبطَ لشواردِ الأحاديث وأَوابِدها (١).
وهو الكتابُ الذي عكف عليه المتعبِّدون، واشتغل بتدريسه الأئمةُ
_________
(١) انظر: "مشكاة المصابيح" للتبريزي (١/ ٣).
مقدمة / 5
المعتبرون، وأقرَّ بفضله وتقديمه الفقهاءُ المحدثون، وقال بتمييزه الموافقون والمخالفون (١).
وهو كتاب مُبَارك، وفيه عِلمٌ جَمٌّ من سُنن رسول الله ﷺ (٢)، ناهزت أحاديثُه الخمسةَ آلاف حديث، أحسنَ الإمامُ في ترتيبها، وفاقَ ترتيبُه للكتب كثيرًا من كتب الحديث المصنَّفة، فإنه وضَعَ دلائلَ الأحكام على نَهجٍ يستحسنُه الفقيهُ، فوضع الترغيبَ والترهيب على ما يقتضيه العلم، ولو فكَّر أحدٌ في تغيير بابٍ عن موضعه لم يجدْ له موضعًا أنسبَ مما اقتضى رأيُه (٣).
وقد كثُرت عناية العلماءِ بهذا الكتاب الجليل، وتنوَّعت الشروحُ والتعليقاتُ والتخريجاتُ عليه، وكان من بين تلكَ الشروحِ:
- "شرح المصابيح" لعلَم الدين السَّخَاوي (ت ٦٤٣ هـ).
- "الميسَّر في شرح مصابيح السنة" لشهاب الدين فضل الله التوربشتي (ت ٦٦١ هـ).
- "المفاتيح في شرح المصابيح" للحسين بن محمود الزَّيداني المُظْهِري.
- "شرح المصابيح" لابن المَلَك الحنفي.
- "التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح" للفيروزأَبادي (ت ٨١٧ هـ).
- "شرح المصابيح" لابن كمال باشا (ت ٩٤٠ هـ).
وقد اختصر "المصابيح" غيرُ واحدٍ من الأئمة، كان من أبرزِها: "مشكاة
_________
(١) انظر: "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" لصدر الدين المناوي (١/ ٥).
(٢) انظر: "الميسر في شرح المصابيح" للتوربشتي (١/ ٢٩).
(٣) كما قال محمد بن عتيق الغرناطي (ت ٦٤٦ هـ).
مقدمة / 6
المصابيح" للتَّبْرِيزي، والذي شرح الإمامُ الطّيبيُّ في كتاب سماه: "الكاشف عن حقائق السُّنن"، وكذا شرحه العلامةُ ملا علي القَارِيُّ في "مِرقاة المفاتيح".
كما قام بتخريج "المصابيح" الإمامُ صدرُ الدين المَنَاويُّ (ت ٨٠٣) في "كشف المناهج والتَّناقيح في تخريج أحاديث المصابيح"، ولخَّصه الحافظُ ابنُ حجر في "هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة".
إلى غيرِ ذلك من الشروحِ والتَّعاليق القيمة، ومِنْ هنا عُنينا بتلك المؤلَّفاتِ عناية خاصةً في مشروعنا "موسوعة شروح السنة النبوية" التي نسألُ الله أن يكتبَ لها القَبول والتَّمامَ، وأن يوفقنا لإصدارها كما أرادها مؤلِّفوها أنْ تخرجَ لأهل الإسلام، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
وقد تناولنا في تحقيقنا جملةً من الشُّروح النفيسةِ التي لم تَرَ النورَ بعد، وألفينا فيها علومًا جَمَّةَ لا يستغني عنها مَنْ تَشَرَّب لِبَانَ السنَّةِ النبوية، وحَرَصَ على أخذِها رِواية ودِرايةً.
وحسبُ المرءِ احتفاءً بجملة الشُّروح المحقَّقةِ، والتي نُخرجها إلى عالم المطبوعات لأول مرة، أنَّها تاتي بعد نشرِ شَرحٍ واحدٍ يتيمٍ لهذا الكتابِ الجليل، وهو شرحُ الإمام التُّوْرِبِشْتي، فلله الحمدُ على مَنِّه وتوفيقه.
ومن تلكَ الشروحِ الحافلةِ، شرحُ الإمامِ مُحمَّدِ بنِ عَبْد اللَّطيفِ، المعروفِ بـ (ابن المَلَك) الرُّوميِّ، والذي نقومُ بإصداره لأوَّلِ مرةٍ مقابَلًا على أربعِ نسُخ خَطِّيَّةٍ.
وقد اشتملَ هذا الشَّرْحُ على غَالبِ مادَّةِ "مَصابيح السُّنَّة" للإمام البَغَويّ رحمه الله تعالى.
وقد عُنِيَ فيه ﵀ ببيان الألفاظِ، وحَلِّ الإشكالات، وبَثَّ فيه فِقْه الأئمَّةِ الأربعةِ، خصوصًا فقه الإمامِ أبي حنيفةَ رحمه اللهُ تعالى.
مقدمة / 7
فجاء شَرحًا لطيفًا مُفيدًا للقارى، قد لَخَّصَ فيه الإمامُ ابنُ المَلَك كلامَ الشّراحِ قَبْلَه؛ كالإمام البَغَويِّ والطيبيِّ والتُّوْرِبِشْتيِّ والمُظْهِرِيِّ، وأفاد ممَّا كتبه والدُه الإمامُ عبدُ اللَّطيفِ على "مَشَارق الأنوار للصَّغَاني"، فأجاد ﵀ في التَّلخيصِ، وأَبْدَعَ في التَّقْريبِ والتَّيسيرِ وجَمعِ الفوائدِ المتناثرة في بطونِ تلكَ الشُّروح.
وقد أفادَ من هذا الشَّرحِ كثيرًا العلامةُ مُلاَّ علي القَاريُّ في كتابه: "مرقاة المَفاتيح في شرح مِشْكاة المصابيح".
هذا، وقد تمَّ التقديمُ للكتاب بترجمة الإمام البغوي، وترجمة الإمام ابن المَلَك - رحمهما الله تعالى - ثم تلاه تعريف بمنهج المؤلِّف في هذا الشرح.
وتمَّ تذييلُ الكتابِ بِفِهْرسِ أطرافِ الأحاديث النبوية الشريفة التي شرحها المؤِّلفُ، ثم فِهرسٍ لعناوينِ الكُتب والأبواب.
اللهم اجعلنا ممَّنْ يَسْتَنهج كتابَكَ وسنَّةَ نبيِّكَ محمدٍ ﷺ، واجعلْ نيتَنا خالصةً لوجهكَ الكريمِ في نشرِ السُّنةِ المُطَهَّرة، يدومُ الأجرُ فيها بعد الممات، ونبلُغُ بها منزلةً مرضيَّةً عندك، إنَّكَ وليُّ ذلك والقادرُ عليه، ولا حولَ ولا قوة إلا بك.
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
حَرَّرُه
نور الدين طالب
ذو الحجة/ ١٤٣٢ هـ
مقدمة / 8
الفَصلُ الأوَّل
تَرْجَمَةُ الإِمَامِ البَغَويِّ (١) صَاحب "مَصَابِيحِ السُّنَّةِ"
هو الشَّيخ الإمام، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيى السُّنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفَرَّاء البَغَوي الشافعي المفسِّر، صاحب التصانيف كـ "شرح السنة"، و"معالم التنزيل"، و"المصابيح"، وكتاب "التهذيب" في المذهب، و"الجمع بين الصَّحيحين"، و"الأربعين حديثًا"، وأشياء.
تفقه على شيخ الشَّافعية القاضي حُسين بن محمد المَرْورُّوذي صاحب "التعليقة" قبل الستين وأربع مئة، وسمع منه، ومن أبي عمرَ عبدِ الواحد بنِ أحمد المَليحي، وأبي الحسن محمد بن محمد الشِّيرزي، وجمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الدَّاودي، ويعقوب بن أحمد الصَّيرفي، وأبي الحسن علي بن يوسف الجُويني، وأبي الفضل زياد بن محمد الحنفي، وأحمد ابن أبي نصر الكُوفاني، وحسان المَنيعي، وأبي بكر محمد بن أبي الهيثم التُّرابي
_________
(١) نقلًا عن "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٩/ ٤٣٩). وانظر ترجمته في "وفيات الأعيان" لابن خلكان (٢/ ١٣٦)، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي (٤/ ١٢٥٧)، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (٧/ ٧٥)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (١/ ٣١١)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٤/ ٤٨)، وغيرها.
مقدمة / 9
وعدة، وعامَّةُ سماعاته في حدود الستين وأربع مئة، وما علمتُ أنه حَجَّ.
حدث عنه أبو منصور محمد بن أسعد العَطَّاريُّ عُرِف بحفدة، وأبو الفُتوح محمد بن محمد الطَّائي، وجماعة.
وآخر مَنْ روى عنه بالإجازة أبو المكارم فضل الله بن محمد النُّوقاني الذي عاش إلى سنة ست مئة، وأجاز لشيخنا الفخرِ بن علي البُخاري.
وكان البَغَوي يلقَّب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيّدًا إمامًا، عالمًا علامة، زاهدًا قانعًا باليسير، كان يأكل الخبز وحدَه، فَعُذِل في ذلك، فصار يَأْتدم بزيتٍ، وكان أبوه يعمل الفِراءَ ويبيعها.
بُورك له في تصانيفه، ورُزق فيها القَبول التام لحُسن قصده وصدق نيته، وتنافس العلماءُ في تحصيلها، وكان لا يُلقي الدرس إلا على طهارة، وكان مقتصِدًا في لباسه، له ثوبُ خام، وعمامة صغيرة على منهاج السَّلف حالًا وعَقْدًا، وله القدمُ الراسخ في التفسير، والبدع المديد في الفقه، ﵀.
توفي بمَزو الرُّوذ مدينةٍ من مدائن خراسان، في شوال سنة ست عشرة وخمس مئة، ودفن بجنب شيخه القاضي حسين، وعاش بضعًا وسبعين سنة، ﵀.
مقدمة / 10
تَرجَمَة الشَّارِح المُحَدِّثِ الفَقِيهِ ابنِ المَلَك (١)
هو الإمام الفقيهُ محمَّدُ بنُ الإمام عزِّ الدِّينِ عبدِ اللطيف بنِ عبد العزيز بن أمين الدِّين بنِ فِرِشْتَا (٢)، الرُّوميُّ الكَرمانيّ، الحنفيُّ، المشهور بـ (ابن المَلَك).
كان والدُه عالمًا فاضلًا ماهرًا في جميع العلوم، وكان معلِّمًا للأمير محمد ابن آيدين، ومدرِّسًا بمدينة (تيره) (٣).
_________
(١) لم نعثر على ترجمة مفصَّلة للإمام ابن المَلَك محمد في المصادر والمراجع المتداولة، وإنما جاء له ذكرٌ في "الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية" لطاش كُبري زاده (ت ٩٦٨ هـ)، (ص: ٣١)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (٢/ ١٧٠١)، و"هدية العارفين" للبغدادي (٢/ ١٩٨)، و"الأعلام" للزركلي (٦/ ٢١٧).
(٢) فِرِشْتَا: بكسر الفاء والراء وسكون الشين هو المَلَك، ولذا كان يقال لوالده: ابن المَلَك، قال السخاوي (في ترجمة والده عبد اللطيف): وكذا كان يكتب بخطه المعروف بابن الملك. انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٤/ ٣٢٩).
(٣) وكان والده ﵀ أحد المشهورين بالحفظ الوافر من أكثر العلوم، وأحد المبرِّزين في عويصات العلوم، وله القبول التام عند الخاص والعام، وصنف تصانيف كثيرة الفوائد منها: "مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار للصغاني - ط"، شرحه شرحًا لطيفًا أتى فيه من النكت اللطيفة ما لا يحصى، وشرح أيضًا: "مجمع البحرين وملتقى النهرين لابن الساعاتي ت ٦٩٤ هـ"، وهو كثير الفوائد معتمد في بلاد الروم، وشرح =
مقدمة / 11
تأثر الإمامُ محمد بوالده، فكان ذا معرفةٍ بعلوم اللغة والحديث والفقه، وظهرَ ذلك جليًّا في مؤلفاته التي تركها، ومنها:
١ - "شرح مصابيح السنة"، وسيأتي الحديث عنه.
٢ - "شرح وقاية الرواية في مسائل الهداية للإمام برهان الشريعة" (١)، وهو شرحٌ لطيفٌ، وقد كان والدُه الإمام عبد اللطيف قد شرحه أولًا، لكنه بقي مسودةً، قال حاجي خليفة: شَرَحَه عبدُ اللطيف بن عبد العزيز المعروف بابن ملك، ذكر في أوله أنه شرحه حين قرأه ابنُه جعفر، لكنه بقي في المسودة، فبيَّضه ابنُه محمد وقال: كان أبي قد ألَّف شرحًا للوقاية، لكن لما ضاعت النسخةُ التي بيَّضها قبل الانتشار خِفْتُ ضياعَ الئصنيف بالكلِّية، فكتبت من مسودتها مع بعض الإلحاقات شرحًا آخر، انتهى.
قال حاجي: ولهذا نرى في زماننا شرحين للوقاية منسوبين إلى ابن
_________
= "منار الأنوار في الأصول لحافظ الدين النسفي ت ٧١٠ هـ"، وعليه حواشي كثيرة، وغير ذلك من المؤلفات، وكانت وفاته سنة (٨٠١ هـ) على اختلاف في ذلك بين مترجميه.
انظر ترجمته في: "الضوء اللامع" للسخاوي (٤/ ٣٢٩)، و"الشقائق النعمانية" لطاش كُبري (ص: ٤٩)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (ص: ٢٣١، ٣٧٥، ١٦٠١، ١٦٨٩، ١٨٢٥)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ٣٤٢)، و"الطبقات السنية في تراجم الحنفية" للغزي (٤/ ٣٨٣)، و"البدر الطالع" للشوكاني (١/ ٣٧٤)، و"هدية العارفين" للبغدادي (١/ ٦١٧)، و"الفوائد البهية في تراجم الحنفية" للكنوي (ص: ١٠٧)، و"الأعلام" للزركلي (٤/ ٥٩)، و"معجم المؤلفين" لكحالة (٦/ ١١).
(١) ذكره طاش كُبْري وحاجي خليفة والزركلي، قال اللكنوي في "الفوائد البهية" (ص: ١٠٧): وأخذ عنه - أي: عن عبد اللطيف - ابنه محمد بن عبد اللطيف شارح الوقاية، وهو شرح لطيف، جامع لمهمات المسائل، وموضحات الدلائل.
مقدمة / 12
ملك، أوَّلُ شرح ابنه محمد: "الحمد لله الذي جعل العلمَ أريجَ المتاجرِ والمكاسب. . . إلخ " قال: كان شيخي ووالدي شارح المجمع (١) يقول: أردت أنْ أشرحَ الوقاية، فشرع فيه وأتمه في آخر الأوان، فلما قضي عليه ومات، سرق الكتاب منه وفات، فما ظَفِرتُ بالوصول إليه، فتأسفتُ عليه، فالتمسوا مني أن أنتسخَه من مسوداته الموجودة، فكتبت، وألحقت فوائد كثيرة، انتهى حاصل كلامه.
٣ - "روضة المتقين في مصنوعات ربِّ العالمين"، في المواعظ والعبادات (٢).
٤ - "بحر الحكم" في الأخلاق، وهو باللغة التركية (٣).
٥ - "شرح تحفة الملوك لزين الدين الرازي في الفروع" (٤).
* وفاته:
لم ينصَّ على سنة وفاة الإمام محمد في شيء من المصادر، وإنما ذكر الزّرِكليُّ في "الأعلام": أنه توفي سنة (٨٥٤ هـ) معتمدًا في ذلك على ما جاء في النسخة الخطية لمكتبة شستربتي (رقم ٣٦١١) لكتاب "شرح الوقاية".
وذكر البغدادي في "هدية العارفين" أنه فرغ من "شرح تحفة الملوك" سنة (٨٥٤ هـ).
_________
(١) أي: "مجمع البحرين وملتقى النهري لابن الساعاتي".
(٢) ذكره طاش كبري وحاجي خليفة والبغدادي في "هدية العارفين" وقال: في مجلد ضخم.
(٣) ذكره البغدادي في "هدية العارفين".
(٤) كذا نسبه إليه البغدادي في "هدية العارفين" وقال: فرغ سنة (٨٥٤ هـ)، ونسبه حاجي خليفة والزركلي إلى والده الإمام عبد اللطيف، ولعله الصواب.
مقدمة / 13
الفَصْلُ الثَّانِي دِرَاسَة الكِتَاب
* أولًا: تحقيق اسم الكتاب، وإثبات صحة نسبته إلى المؤلف:
لم ينصَّ المؤلفُ ﵀ في مقدمة كتابه على اسمٍ له، وكذا لم يأتِ على غلاف النسخِ الخطية المعتمدة في التحقيق اسم للشَّرح.
وقد ذكره حاجِّي خليفة والزِّركِلي بـ "شرح المصابيح" فقط.
وكذا كان ينقُل عنه العلاَّمة مُلاَّ علي القاريُّ في كتابه "مِرْقاة المفاتيح في شرح مِشْكاة المصابيح" مقتصرًا على قوله: "قال ابن الملك" أو "قال ابن الملك في شرح المصابيح".
- هذا وقد جاء في مقدمة هذا الشرح قولُ المصنف: "يقول العبد الضعيف محمدُ بن عبد اللطيف".
وكذا جاءت نسبةُ هذا الشرح إليه على غلاف النسخة الخطية لمكتبة حاجي محمود بتركيا، والمرموز لها بـ "ت".
وكذا نسبه إليه كلٌّ من حاجِّي خليفة والزّركلي.
كما جاء بين دَفَّتي الكتاب الكثيرُ من مسائل فقهِ الإمام أبي حنيفة، يتقدم بعضَها قولُه: "وعندنا"؛ أي: الحنفية، وهو يتناسب تمامًا مع ما ذُكر من دِرايته في المذهب الحنفي، بل وتأليفُه فيه كما مرَّ في ترجمته.
مقدمة / 14
وقد ذكر الشَّوكانيُّ في "البدر الطالع" (١) في ترجمة والد المؤلف (الإمامِ عبد اللطيف) أن له شرحًا على المصابيح، وقد انفرد الشوكانيُّ بهذه النسبة، ولعله سهو منه ﵀، فإنَّ المترجمين لوالد المؤلف لم ينسبوا إليه شرحًا في المصابيح، كما أنَّ مقدمةَ هذا الشرح مفصِحةٌ ببيان أكيد في تأليف هذا الكتاب للإمام محمدِ بنِ عبد اللطيف.
* تنبيه:
بعد تتبُّع مئات المواضع من شرح العلامة ملا علي القاري المسمى: "مِرقاة المفاتيح في شرح مِشْكاة المصابيح"، ألفيناه ينقلُ عن الإمام ابن المَلَك دونَ تمييزِ الوالد (عبد اللطيف) عن ولدِه (محمد صاحب شرح المصابيح هذا)، فيجد المطالعُ هناك قولَ العلاَّمة مُلاَّ علي القاريّ: (قال ابن الملك في شرح المشارق)، وتارة يقول: (في شرح المنار)، وتارة: (في شرح المجمع)، وتارة: (في شرح المصابيح)، وتارة يقول - وهو الأكثر -: (قال ابن الملك) دون الإشارة إلى الكتاب المنقول منه، وهذا ما يوقع المطالع في تحديد مرجع الكتاب الذي نقل منه القاري، كما يوهم أنَّ الجميعَ من تأليفِ واحدٍ، وبمطالعةِ مؤلفاتِ الوالد عبد اللطيف وولدِه محمد تتميَّزُ نسبةُ كلِّ واحد من تلك الكتب.
* ثانيًا: منهج المؤلف في الكتاب:
ذكر المؤلفُ ﵀ في مقدمة كتابه أنَّ شروحًا أُلِّفت في "مصابيح السنة"، وأنَّ بعضَها بسيطٌ، وبعضَها وسيطٌ، وقد التمسَ منه إخوانُه أنْ لو كانَ له
_________
(١) انظر: (١/ ٣٧٤).
مقدمة / 15
شرح جامع لفوائد تلك الشُّروحِ على طريقة الحلِّ، لصار المتنُ بلا مهلٍ انحل، فأجابهم ﵀ إلى ملتَمسِهم ذاك، وشَرعَ في المقصود المطلوب.
- فجمع المؤلفُ ﵀ كلامَ الشُّرَّاح قبلَه في كلِّ حديث من الأحاديث؛ كشرحِ السنَّةِ للإمام البَغَوي، وشَرحِ التُّورِبِشتي المسمَّى "المُيسَّر في شرح مصابيح السنة"، وشَرحِ الإمام المُظْهِري المسمَّى: "المفاتيح"، وشرح الطَّيبي على مِشْكاة المصابيح، وما جَمَعَه من الفوائد الحِسان من كُتبِ والدهِ الإمامِ الحديثية منها والفقهية؛ كـ "مَبَارق الأزهار شرح مشارق الأنوار للصغاني"، وشروحه الفقهية، فهذَّب واختصر ﵀ ما وجدَه من كلام القوم في أحاديث المصابيح، تارةً - قليلة - يذكرُ صاحبَ القول، وكثيرًا ما يُغْفِل نسبةَ الأقوال إلى أصحابها.
- وقد بثَّ ﵀ كثيرًا من فِقْهِ الأئمة الأربعة خصوصًا مذهبَ إمامهِ أبي حنيفةَ، ثم مذهبَ الإمام الشَّافعيِّ رحمهما الله تعالى.
وقد ظَهرَ في عرضه لتلك المسائل عدمُ تعصُّبِه لمذهبه، بل إنّه ظهر في مواضعَ عدَّةٍ تقديمُه لفقهِ الإمام الشَّافعي، وأنَّ الحديث الذي هو بصدد شرحِهِ هو حجة للشَّافعيِّ ومؤيّدٌ لمذهبه الذي ذهب إليه (١).
وهذا من مَحَاسن الشَّرحِ التي تندُر في كثيرٍ من الشروح.
- والمَأثَرةُ الأخرى لهذا الشرح: تبسيطُه وتذليلُه لكلامِ الأئمة السَّابقين في الجوانب اللُّغوية والحديثيَّة والفقهيَّة، وحُسْنُ عَرضِها حتى لا يبقى لسائلٍ أو مُسْتَشْكِلٍ استفهام.
_________
(١) انظر أمثلة لذلك: (١/ ٢٢٠، ٢٨٠)، (٢/ ١٧٧، ٤٣٠)، (٤/ ٦١).
مقدمة / 16
- ولمَّا كان الإمامُ ابن المَلَك ممَّن سارَ على مذهب الأشاعرة في باب صِفات الباري ﷾، كالنزول والغضب واليد والوجه وغيرها، فقد أكثرَ مِنْ تأويل تلك الصفات في المواضع التي جاءت في أحاديث الكتاب، وذلك كقوله في حديث: "قلوبُ بني آدم كلُّها بين إصبعبنِ من أصابع الرَّحمن" قال: إطلاقُ الإصبعِ عليه تعالى مجازٌ، قيل: هذا استعارة تخييليةٌ والمستعارُ له التقليبُ، وقيل معناه: بين أثرينِ من آثار رحمته وقَهْرِه (١).
وكقوله في حديث: "ينزلُ ربُّنا ﵎ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا. . . " قال: هذا مُتَشابِه معناه: ينتقلُ كلَّ ليلةٍ من صفات الجلال إلى صفاتِ الرحمة والكَمال، وقيل: نزولُ الرحمةِ والأَلْطاف الإلهيَّة" (٢).
* ثالثًا: وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق:
تمَّ الاعتماد في تحقيق هذا الكتاب على أربع نسخ خطية معتمدة في التوثيق، بل إحداها قريبة العهد بالمؤلف ﵀، وهذا وصف لكل واحدة منها:
* النسخة الأولى: وهي النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة غازي خسرو
_________
(١) انظر: (١/ ١٠٨).
(٢) انظر: (٢/ ١٦٤). وانظر أمثلة أخرى في: (١/ ٤٣٧، ٣/ ٤٩١).
ويجب التنبيه هنا: أن مذهب الجمهور من السلف والخلف إثبات هذه الصفات كما جاءت في القرآن وصحيح السنة النبوية، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل وقد اكتفينا بالتنبيه هنا من التنبيه في كل موضع من الكتاب. لأن هذا منهج المؤلف الذي سار عليه، وهو كثير في كتابه.
مقدمة / 17
بيك بسراييفو، تحت رقم (٢٨٩)، وهي نسخة تامة، تتألف من (٣٥٦) ورقة، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (٢٨) سطرًا، وفي السطر (١٦) كلمة تقريبًا.
جاء على غلافها وقف المرحوم مميشاه أفندي على المسجد القديم في مدينة فوتشا.
كما جاء في أولها فهرست للكتب والأبواب في الشرح، وقد بلغت مئتان وتسعة وثمانون.
تبدأ هذه النسخة بقوله في أول الكتاب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رب تمم بالخير، الحمد لله الذي بصَّرنا بالصراط المستقيم. . . ".
وتنتهي بقوله في شرح آخر الحديث: "وفضيلة [القرن] الأول من هذه الأمة لا بكثرة العمل، بل لأنهم صحبوا النبي ﷺ، وصادفوا زمان الوحي".
وقد جاء في آخرها اسم الناسخ: عبد الرحمن الشريف بن حاجي نصوح فقه بن حاجي طور حسن، وذلك في قرية (بك).
وجاء تاريخ النسخ: يوم الثلاثاء، السادس من شهر ربيع الأول، سنة أربع عشر وتسع مئة من الهجرة.
وهذه النسخة جدُّ قيمة، لقرب نسخها من حياة المؤلف ﵀، وقد حلِّيت هوامشها بالتعاليق المفيدة، والتصويبات، ورؤوس المسائل والفوائد.
وتم الرمز لهذه النسخة بالرمز "غ"
* النسخة الثانية: وهي نسخة خطية محفوظة في خزانتي الخاصة بالمخطوطات الأصلية، وهي تشتمل على الجزء الأول من الكتاب، وتقع في (٥٢١) ورقة من القطع الصغير، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (٢٣) سطرًا، وفي السطر (٨) كلمات تقريبًا.
مقدمة / 18
جاء في أولها فهرست للكتب والأبواب بعنوان: "هذا فهرست كتاب المصابيح".
وهي مخرومة في أولها، ويقدَّر هذا الخرم بخمسة عشر ورقة.
تبدأ بقوله في الحديث رقم (١٨): " [وفي رواية] ابن عباس ﵁ في هذا الحديث بعد قوله: "اتخذ الله ولدا. . . " (١).
وتنتهي بقوله في الحديث رقم (٢٥٨٣): "وعَطَفَ عليه من حيث المعنى قوله: ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا يملك" (٢).
وجاء في آخرها اسم ناسخها: خير بن البلوي في بلد بروسة، بمدرسة مرادي.
وجاء تاريخ النسخ: سنة ست وستين وألف من الهجرة.
وهي نسخة جيدة، جاء على هوامشها بعض التصويبات والتصحيحات مما يدل على أنها مقابلة، كما حلِّيت هوامشها بجملة من الفوائد منقولة من "شرح المصابيح" لزين العرب، وغيره.
وتم الرمز لهذه النسخة بالرمز "م"
* النسخة الثالثة: وهي نسخة خطية محفوظة في خزانتي الخاصة بالمخطوطات الأصلية، وتشتمل على الجزء الثاني من الكتاب، وتقع في (٢٣٣) ورقة، من القطع المتوسط، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (٢٣) سطرًا، وفي السطر (١٤) كلمة تقريبًا.
_________
(١) وهو في مطبوعتنا (١/ ٥٢).
(٢) وهو في مطبوعبها (٤/ ١١٤).
مقدمة / 19