Sharh Lum'at al-I'tiqad by Khalid Al-Mosleh
شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
Genres
الشفاعات المشتركة بين الأنبياء وغيرهم
وهناك شفاعات للنبي ﷺ يشركه فيها غيره من الرسل والأنبياء، وسائر أهل التقى من الصديقين والشهداء والصالحين، وذلك كشفاعته في قوم استحقوا النار أن يدخلوها فيشفع لهم ألا يدخلوها، وكذلك شفاعته وشفاعة أهل الإيمان في قوم دخلوا النار أن يخرجوا منها، وكذلك شفاعته ﷺ وشفاعة أهل الإيمان في رفع درجات أهل الجنة، فهذه الأنواع الثلاثة من الشفاعات تكون للأنبياء صلى الله عليهم وسلم وتكون لغيرهم من المؤمنين، لكن نصيبه ﷺ وما يكون له منها هل هو مثل غيره أو أعلى؟
الجواب
نصيبه منها أعلى من نصيب غيره، فحظه من هذه الشفاعة أعلى من سائر الخلق.
وهذه الشفاعات كلها جاءت بها النصوص، وأجمع عليها سلف الأمة وعلماؤها وأثبتها أهل السنة والجماعة، وخالفت فيها ثلاث طوائف.
المعتزلة والخوارج: فهؤلاء لا يثبتون الشفاعة للنبي ﷺ في أهل الكبائر؛ لأن من دخل النار عندهم لا يخرج منها أبدًا.
ووافقهم في إنكار الشفاعة المرجئة الغلاة: فإنه لا يدخل عندهم النار مؤمن، ولو ارتكب ما ارتكب من الموبقات والسيئات والأعمال القبيحة، فهؤلاء وافقوا الخوارج في نفي الشفاعة، وقالوا: لا شفاعة، وما جاء من نصوص الشفاعة جعلوها في رفع الدرجات، وهذا تكذيب لما دلت عليه النصوص من شفاعة النبي ﷺ وغيره في أهل النار الذين استحقوها، أو الذين دخلوها أن يخرجوا منها.
يقول المؤلف ﵀: (ويشفع نبينا ﷺ فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر)، أي: أهل الذنوب الكبيرة الموجبة لدخول النار، والكبائر: جمع كبيرة، وهي: كل ما جاءت النصوص بلعن صاحبه، أو التبري منه، أو ذكر عقوبة له في الدنيا أو الآخرة.
هذا أقرب ما يقال في ضابط وحدِّ الكبيرة، فهؤلاء أصحاب الكبائر يستحقون النار إن لم يتوبوا منها وكانت سيئاتهم راجحة على حسناتهم، فإذا دخلوها ليمحصوا فقد يشفع فيهم النبي ﷺ أو أحد أهل الإيمان ليخرجوا منها، وأدلة أحاديث الشفاعة أكثر من أن تحصى.
يقول ﵀: (فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحمًا وحممًا)، يخرجون بعدما احترقوا وعذبوا وعوقبوا وصاروا إلى هذه الحال فيخرجون فحمًا وحممًا من جراء الاحتراق بالنار والاصطلاء بها.
نسأل الله السلامة والعافية، فيلقون في نهر الحياة عند أبواب الجنة، فينبتون فيه كما تنبت في حميل السيل، فينتعشون ويحيون ويكونون من أهل الجنة، فيدخلون الجنة بشفاعته ﷺ.
ثم قال ﵀: (ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات)، وإنما قدم شفاعة النبي ﷺ مع أن غيره يشركه في هذا النوع من الشفاعة؛ لكونه ﷺ أعظم الناس شفاعة، وأعظم الخلق شفاعة، فشفاعته فوق كل شفاعة، وإلا فإن الأنبياء والمؤمنين يشفعون والملائكة تشفع.
14 / 6